خيارات تخفف من العجز ولكنها تعطل النمو والفقراء والمعوزون على حساب الطبقة الوسطى : يؤكد معز الجودي الخبير الاقتصادي «أن الحكومة الحالية ورثت وضعا اقتصاديا لا تحسد عليه فقد بلغ العجز 6.6٪ وهو وضع كارثي». ويوضح «أن الحكومة تنتهج سياسة التقشف ولم تختر سياسة اعادة تنشيط الاقتصاد ينطلق معز الجودي الخبير الاقتصادي في تحليله لما ورد في قانون المالية التكميلي المتعلق بميزانية الدولة ل2012، معتبرا ان هذا القانون التكميلي جاء بعد قانون المالية الأصلي الذي تم اقراره مع حكومة الباجي قائد السبسي.
وينطلق قانون المالية الأصلي من توجهات عامة واضحة ويهدف لبلوغ نسبة نمو تعادل 4.5٪ في 2012 ويعلق الجودي على ذلك ب«المسألة العادية بالنسبة إلى الحكومات التي تخطط لأهداف مرتقبة».
ويعلق الجودي على بيان برنامج حكومة حمادي الجبالي بأنه «بيان نوايا أكثر منه مخططا واضحا، فإلى الآن ليس هناك مخططات واضحة في البرنامج الاقتصادي وإلى الآن ليس هناك استراتيجيا اقتصادية واضحة ولكنها تواصل عملها بمخططات حكومة الباجي قائد السبسي».
ويعتبر الجودي أن «2011 كان كارثيا بالنسبة الى الاقتصاد الوطني، فقد بلغت نسبة التضخم حدود 6٪ وبلغ العجز التجاري 80٪ وهو ما أثر بدوره في ارتفاع نسبة التضخم. كما بلغ العجز الجاري 6.6٪ وهو وضع ينذر بالخطر»، ويلاحظ أن «حكومة حمادي الجبالي ورثت وضعا اقتصاديا لا تحسد عليه».
التقشف
وانطلاقا من الوضع الاقتصادي الصعب الذي بلغ فيه العجز الجاري (بين حجم النفقات وعائدات الدولة) حدود 6.6٪، فإن الحكومة وجدت نفسها بين المطرقة والسندان. كما يذهب الى ذلك الجودي، فليس هناك حلول كثيرة سوى إعادة تنشيط الاقتصاد وذلك عن طريق الزيادة في النفقات العمومية، أي الترفيع في الأجور وفي الاستثمارات العمومية بما يضمن تنشيط القدرة على الاستهلاك وتطوير الانتاج والاستثمار ثم خلق مواطن الشغل، ولكن ذلك حسب ما يوضحه الجودي سيفاقم في المديونية والمرهونية وتدخل البلاد في متاهات كبرى.
لذلك اختارت الحكومة انتهاج سياسة التقشف واختارتها مقابل سياسة اعادة تنشيط الاقتصاد، وذلك يتوضح في عدم تنشيط الاستثمار العمومي بشكل ملحوظ، والعمل على الزيادة في الضرائب والأسعار. كما ستحاول الدولة الزيادة في الواردات وهي سياسة تخفف من العجز غير أنها تعطل نسق النمو.
المعطى السياسي
من جانب آخر، فإنّ الحكومة أخذت بعين الاعتبار المعطيات السياسية في هذا القانون التكميلي أكثر منه المعطى الاقتصادي. فالحكومة «تعي جيدا أن الجهات مازالت مضطربة وأن المطلبية ستتواصل»، حسب ما يعبر عن ذلك الجودي، ويواصل «تعمل الحكومة عبر انتهاج سياسة التقشف على اعادة توزيع الثروة وستصبح أكثر عدالة، عن طريق الزيادة في ضرائب الطبقة الوسطى واعادة توزيع الموارد على الجهات والفقراء»، ويعلق على ذلك الجودي «هو خيار سياسي يضمن عدالة أكثر في توزيع الثروة ولكن ليست له جدوى اقتصادية تذكر على المدى المتوسط والبعيد».
ويضيف الجودي «سياسة التقشف ستؤدي الى التخفيف من التركيز على الطبقة الوسطى التي كانت ومازالت ضمانا لتواصل الدولة والنشاط الاقتصادي وستؤثر أيضا على المؤسسات الصغرى والمتوسطة».
الطبقة الوسطى
يعتبر الجودي ان تونس لا تمتلك موارد طبيعية ولكن لها طبقة متوسطة تتكون من الموظفين في الادارات والوزارات والبنوك والمصالح والمؤسسات وقطاع التعليم والخدمات، وهي طبقة ساهمت منذ بداية الثورة الى الآن في تواصل الحركة الاقتصادية في البلاد.
ويفسر الجودي أن إرادة الحكومة في اعادة تقسيم الثروات ستؤثر في الطبقة الوسطى (فالزيادة في ثمن المحروقات ب100 مليم ثم ب500 مليم لتبلغ الزيادة 600 مليم في نهاية السنة سيؤثر ذلك كثيرا على الطبقة الوسطى).
«كما ان اقتطاع 4 أيام من أجور من لهم دخل يفوق ال500 دينار والتي يبدو أنه سيتم اقرارها ونحن ننتظر التوضيحات في هذا الخصوص سيؤثر كثيرا في الطبقة الوسطى»، حسب تعبير الجودي.
وزيادة عدد الذين ستفرض عليهم الضرائب عبر «سقف المداخيل» سيزيد من عدد دافعي الضرائب وخاصة منهم الطبقة الوسطى وهو ما سيؤدي الى زيادة الضرائب غير المباشرة على هذه الطبقة.
المؤسسات الصغرى والمتوسطة
من جهة اخرى يعتبر الجودي أن انتهاج سياسة التقشف سيكون لها تأثير كبير على المؤسسات الصغرى والمتوسطة التي تعد العمود الفقري للاقتصاد التونسي وتفوق نسبتها 80٪ من جملة المؤسسات، فالترفيع في أسعار المحروقات سيؤثر على نشاط هذه المؤسسات التي تعاني أصلا من الركود بعد الثورة، وهو بدوره سيؤثر على قدرتها التنافسية وقد يصل الأمر الى غلق عديدها.
وسيؤدي تأثير انتهاج سياسة الترفيع في أسعار المحروقات والمواد الأولية الى التضخم المالي بما أن انتاج المؤسسات الصغرى والمتوسطة سيتواصل انخفاضه.
وتعد المؤسسات الصغرى والمتوسطة حسب الجودي «المجال الحيوي لخلق مواطن الشغل الجديدة والمنقذة للاقتصاد عبر انتاجها وتحفيز نشاطها».
التشغيل
ويفسر الجودي انطلاقا من قانون المالية التكميلي توجه الحكومة نحو ايجاد مواطن شغل في القطاع العام بالأساس، في الوزارات والمؤسسات العمومية ويعلق على ذلك بالقول «سيؤدي ذلك الى بروز اشكالات كبيرة في المدى المتوسط. كما يحصل الآن في اليونان، فقد اتبعت اليونان نفس السياسة قبل 15 سنة، حيث عمّت الاضطرابات والمطلبية البلاد، لذلك انتهجت حكومة هذا البلد آنذاك سياسة التعويل على القطاع العمومي في خلق مواطن الشغل وهذا النوع من مواطن الشغل لا يخلق الثروات ولا يساهم في خلق مواطن شغل اخرى». ويحذر الجودي من أن «تصل الأمور بعد سنوات الى ما وصل إليه الوضع اليوم في اليونان من مديونية كبيرة». ويعتبر الجودي أن «الاستثمار والتعويل على تنشيط الاقتصاد هو وحده الكفيل بخلق مواطن الشغل».
الجباية
تقنيا يفسر الجودي ان مداخيل الدولة في القانون التكميلي سيكون قدره 25.401 مليار دينار داخليا أي سيشهد زيادة ب4599 مليون دينار.
وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار ان تونس بين سنتي 2011 و2012 لم يكن هناك نمو اقتصادي، فإن موارد الدولة زادت عبر الواردات الجبائية التي ستبلغ حسب القانون التكميلي 15066 مليون دينار ليستنتج الجودي أن ميزانية الدولة ستعتمد على الجباية بالأساس.
ومن ناحية اخرى يستبعد الجودي أن تبلغ مداخيل الدولة من الواردات غير الجبائية 4578 مليون دينار كما يقرّ ذلك القانون التكميلي لميزانية الدولة رغم تحسن هذه الموارد ب2048 مليون دينار مقارنة بسنة 2011 خاصة أن الأوضاع الأمنية والاجتماعية مازالت لم تبلغ الاستقرار الكافي.