توننداكس يسجل تطورا ايجابيا قارب 31ر16 بالمائة خلال النصف الأول من سنة 2025    الجبل الأحمر: 8 سنوات سجن لشاب نفّذ "براكاج" مروّع لطالبة قرب المركب الجامعي    النوبة الجندوبية بمهرجان بلاريجيا تستعيد أمجاد الفن الشعبي    عاجل: ماهي حقيقة تنحي الطبوبي؟ تصريحات رسمية تكشف كل شيء!    50 درجة حرارة؟ البلاد هاذي سكّرت كل شي نهار كامل!    عاجل: دولة عربيّة تعلن الحرب عالكاش وتدخل بقوّة في الدفع الإلكتروني!    ما هي التطورات المتوقعة في قطاع الاستهلاك الصيني؟    الشركات المدرجة بالبورصة والمصرحة ببياناتها للربع الأول من 2025 رفعت إجمالي مداخيلها الى 8ر12 مليار دينار    مأساة في اليمن.. وفاة 4 أشقاء بلدغات ثعابين أثناء نومهم    نجم المتلوي يعزز صفوفه بالمهاجم مهدي القشوري    ماتش الإفريقي والمرسى: هذا هو عدد الجمهور الي باش يحضر !    تونس الثانية إفريقيّا في التبرّع بالأعضاء.. أما عالميا؟ الرقم يصدم!    اليوم: السخانة ترتفع شوي.. وين وقداه؟    هام/ فتح باب الترشّح للطلبة التونسيين للتمتّع بمنح دراسية بمؤسّسات جامعية عمومية بالمغرب وبالجزائر..    عاجل : الحرس الوطني يكشف معطيات حول فاجعة اشتعال النّار في يخت سياحي بسوسة    عاجل- سوسة : غرفة القواعد البحرية للتنشيط السياحي تنفي و توضح رواية السائحة البريطانية    الحماية المدنية تواصل مجهوداتها في اخماد الحرائق    عاجل/ رئيس قسم طب الأعصاب بمستشفى الرازي يحذر من ضربة الشمس ويكشف..    علامات في رجلك رد بالك تلّفهم ...مؤشر لمشاكل صحية خطيرة    كيلي ماك.. نجمة The Walking Dead تخسر معركتها مع المرض    بطولة كرة اليد: البرنامج الكامل لمنافسات الجولة الافتتاحية    اختتام فعاليات المهرجان الدولي للفنون الشعبية وسط أجواء احتفالية وحضور جمهوري واسع    الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات تنظم يوم 8 اوت الجاري ندوة حول ذاكرة الحركات النسوية    زيلينسكي مدمن".. روسيا تشن حرباً رقمية واسعة على أوكرانيا    الحمامات: وفاة شاب حرقًا في ظروف غامضة والتحقيقات جارية    تواصل الحملة البلدية المشتركة لتحرير الأرصفة والطرقات وسط العاصمة    المرصد التونسي للمياه تلقى 604 بلاغا بشأن صعوبات متصلة بامدادات مياه الشرب خلال شهر جويلية 2025    لبنان يغيّر اسم شارع حافظ الأسد إلى زياد الرحباني    قوات الاحتلال تعتقل صحفية فلسطينية بالضفة الغربية..#خبر_عاجل    ماء الليمون مش ديما صحي! شكون يلزم يبعد عليه؟    إحداث قنصلية عامة للجمهورية التونسية بمدينة بنغازي شرق ليبيا    كتب ولدك للسنة الثامنة أساسي (2025-2026): شوف القائمة الرسمية    جريمة مروعة تهز هذه الولاية..والسبب صادم..#خبر_عاجل    عاجل : وفاة بطل كأس العالم مع منتخب ألمانيا    عاجل: خبير يصرح....براكين نائمة في تونس والمنطقة العربية وقد تتحوّل إلى تهديد حقيقي    مصر.. الداخلية تنفي صحة فيديو إباحي "لضابطي شرطة"    بلطي، يروي هموم الشباب وقضايا المجتمع ويصنع الفرجة على ركح المسرح الصيفي سيدي منصور بصفاقس    عاجل: أمريكا تضرب البرازيل بداية من اليوم برسوم جمركية جديدة    80 سنة تعدّت على جريمة هيروشيما: أول قنبلة نووية في التاريخ... أما تعرف شنية الحكاية؟    الرابطة المحترفة الاولى : شبيبة العمران تعلن عن تعاقدها مع 12 لاعبا    أوساكا تتأهل إلى قبل نهائي بطولة كندا المفتوحة للتنس وشيلتون يُسقط دي مينو    فرنسا: حريق ضخم يلتهم آلاف الهكتارات بجنوب البلاد    مهرجان قرطاج الدولي 2025: الفنان "سانت ليفانت" يعتلي ركح قرطاج أمام شبابيك مغلقة    مستقبل القصرين.. انهاء التعاقد مع ماهر القيزاني بالتراضي    تاريخ الخيانات السياسية (37) تمرّد زعيم الطالبيين أبو الحسين    استراحة صيفية    أضرار فلاحية في القصرين    تراجع نسبة التضخم في تونس خلال جويلية 2025 إلى 5.3 بالمائة    طقس الليلة    اللجنة الأولمبية التونسية تحتفي بالبطل العالمي أحمد الجوادي بعد إنجازه التاريخي في مونديال سنغافورة    دبور يرشد العلماء ل"سرّ" إبطاء الشيخوخة..ما القصة..؟!    عاجل- في بالك اليوم أقصر نهار في التاريخ ...معلومات متفوتهاش    عاجل: وفاة فنان مصري مشهور داخل دار المسنين بعد صراع مع المرض    التراث والوعي التاريخيّ    جامع الزيتونة ضمن سجلّ الألكسو للتراث المعماري والعمراني العربي    فنان الراب العالمي بلطي يروي قصص الجيل الجديد على ركح مهرجان الحمامات    بنزرت/ حجز 5,45 طن من مادة الدلاع وإعادة ضخها في المسالك القانونية..    تاريخ الخيانات السياسية (36) ..المعتزّ يقتل المستعين بعد الأمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بقلم: الأستاذة كاهنة عباس*
الجنازة 2-3
نشر في الصباح يوم 23 - 02 - 2013

نعم حدث ذلك في تونس، يوم السادس من شهر فيفري بأن سال دم شكري بلعيد أمام بيته بطلقات رصاص صوبتها يد تونسية لشاب في مقتبل العمر، لقد تأكد لي الخبر عند سماع صوت آخر مرتبك في مكالمة هاتفية لزميلتي
وهي تعلمني بخبر وفاته وتطلب مني أن ألتحق بها للوقوف أمام مصحة النصر.
فمن أية جهة يا ترى ستبرز الجنازة فنرى نعشه؟ من أي جهة يا ترى؟ أمن جهة جبل الجلود؟ أم من جهة لاكانيا؟ أم من خلف مقبرة الجلاز ؟
أيمكن أن يقام للموت جنازة ؟ أيكون الموت هو الذي انهزم في هذا اليوم؟ فكيف بالموت ينهزم فيقام لانهزامه حفلا ؟
«كلنا شكري بلعيد وعن دربه لن نحيد «، تلك هي بعض الشعارات التي كان يرددها الحاضرون؟ من أي جهة سيطل علينا نعشه وفي أي لحظة في أي ساعة وفي أي توقيت ؟ «كلنا شكري بلعيد وعن دربه لن نحيد» فمتى ستخرج جنازته؟ متى؟ متى؟ متى؟ متى سنغتال موته ؟ متى سننتصر؟ متى سنودعه وصراخنا يواكب نعشه ونحن نردد أننا جميعا نحمل حلمه وغضبه بين جوارحنا وأن صوته الغاضب لازال يرن داخلنا صارخا متوعدا ثائرا؟ متى سنشيع جنازة الموت المغتال ونحمله على أكتافنا ؟ متى سننتصر؟ متى سنثأر لدم شكري الذي أهدر على أبواب بيته؟ متى سنثأر دون عنف ولا دم، كما علمنا دوما هذا الوطن أن نفعل؟ فمتى ستتطل علينا الجنازة ؟ متى ؟ ومن أي جهة ؟
كيف بنا نشتاق جميعا لرؤية نعش؟ كيف ننتظر بروزه بفارغ الصبر؟ كيف انسجم الشوق والحزن داخلنا ؟ أيمكن للشوق أن يلتقي بالحزن ؟
لعلها روح الفقيد شكري بلعيد وهي ترفرف حولنا ما انفكت تبث فينا الشوق والحزن والغضب والتحدي وقد امتجت بنشوة الانتصار، لعلها هي من شحنت هذه الاجواء بكل هذا الشوق بكل هذا الحزن بكل هذا الغضب؟ فمن أي جهة ستتطل علينا يا ترى؟ وهل للروح أن تطل فنراها ونشعر بوجودها ؟
دخلنا المقبرة من منفذ صغير شق سورها القصير، صعدنا ربوتها، نجتاز القبور وقد شيدت الواحد قرب الآخر، كنت في كل خطوة، أوجل النظر في الارض، تجنبا لدوسها وأنا أتبع وفود الناس الصاعدة نحو مقبرة الشهداء أين سيدفن جثمانه.
ودبت في تلك اللحظة حركة كبيرة بالمقبرة، بعد أن انزاح عنها صمت القبور، فإذا بها تتحول الى ساحة تجمعنا، توحدنا الاحياء منا بالاموات، الرجال بالنساء، كي تجعل من تربة تونس وعلمها رايتنا، فهي التي سترعى أبناءنا وأحفادنا من بعدنا وهي التي ستحفظ ذكرى هذا اليوم الحزين العظيم وهي التي ستروي مسيرنا ولقاءنا وبكاءنا ولوعتنا وغضبنا، هي من كانت الحبلى بحلمنا الحلم الذي استشهد من أجله شكري بلعيد.
وصلنا الساحة الواقعة أمام مقبرة الشهداء، فلم يتسع فضاؤها للوفود الغفيرة القادمة اليه من الناس، فإذا بها تتفرق، بعضها اصطف واقفا على الجدران المحيطة بالساحة وبعضها وقف خلفها وبعضها الاخر مكث وسطها .
وفجأة ، لمحنا دخانا متصاعدا من أسفل المقبرة، ثم انتشرت بسرعة رائحة القنابل المسيلة للدموع، فرن هاتفي الجوال، فاذا بشقيقتي «علياء» تخبرني، أنها شاهدت منذ حين على شاشة التلفزة، صور مفزعة لدخان يغطي المقبرة وأعمال تخريب لمجموعة من المجرمين، داهمت المكان وأحرقت السيارات الرابضة قربها، فأخبرتها، أني بعيدة عن المدخل، أنتظر قدوم الجنازة بأعلى المقبرة التي ستحل بعد لحظات،ألحت علي بمغادرة المكان توا، تفاديا لتفاقم العنف، فهدئت من روعها وأنا أطمئنها بأن الجيش موجود على بضعة أميال منا، متأهب لحمايتنا، وأن لا داعي للهرع ثم أغلقت الهاتف.
لم أشعر بالخوف رغم اكتظاظ المقبرة بجموع غفيرة من الناس، ولم أر من بين الحاضرين من بادر بمغادرة المكان ،اقتربت مني آمال وأخبرتني أنها على وشك الاغماء بعد انتشار غاز القنابل المسيلة للدموع رغم أنه طفيف،لاصابتها «بداء الحساسية» ، فأشرت عليها أن تتريث وأن تسنشق دفعة من الهواء وأن تبقى معنا الى أن نغادرالمقبرة ثم قلت في نفسي وأنا ألمحها تبتعد عني للجلوس على السور المقابل: «الى أين تراهم سيدفعوننا بعد ذلك؟ الى أين؟ ألم يدركوا موقعنا بعد ؟ إننا صامدون واقفون بهذه المقبرة ، فهي المحطة الاخيرة التي لا محطة بعدها، «فليداهموننا، فليسطوا علينا، فليعتدوا علينا، فليفعلوا ما شاؤا، فمن حضر هذا الموكب وانتظر هذه الجنازة وهلل بانهزام الموت، لن يسكنه الخوف أبدا، فليفعلوا ما شاؤا فليفعلوا،؟ فليفعلوا ماشاؤا، فليعتدوا فليسطوا علينا، فدم شكري الذي سال أمام بيته هو دمنا جميعا، لن نخاف من سطو المداهمين، فليفعلوا ما شاؤا، سنبقى هنا في انتظار الجنازة مهما حدث» .
وبينما كنت على تلك الحال، إذ بي أسمع رجلا يصرخ:» اقبضوا عليهم ولا تتركوهم يلوذون بالفرار» التفت، فإذا بي ألمح ثلاثة شبان يخترقون صفوف الناس،بعد أن فروا من ملاحقة رجال الامن في اتجاه الساحة أين اجتمعنا،كان من بينهم مراهق لم تتجاوز سنه السابعة عشرة، انتابتني الدهشة وأنا أتبين ملامح وجهه،متساءلة: ما الذي دفع بهذا الشاب الى مداهمة المقبرة وحرق السيارات الرابضة أمامها؟ أتراه مدركا لما أقدم عليه ؟لا أظن ذلك،لا شك، أنه أحد المرتزقة الذي لم يدرك بعد، أن المواجهة بيننا وبينهم ليست متكافئة رغم اندساسهم في صفوفنا منذ لحظات الاولى لقدومنا،لن نغادر المقبرة مهما حدث،لقد علمنا التاريخ أن جميع الصراعات والحروب والمواجهات بين المناضلين والمرتزقة يكون فيها النصر حليف الاولين، لن يغتالوا حلمنا،لا بمالهم ولا بعتادهم ولا بسلطتهم، لن يغتالوه بعد أن عقدنا العزم على أن نشهد موكب الموت محمولا على الاكتاف. رأيت أحد الرجال الوافقين يقبض على المراهق الفار ثم رجل آخر يقول له:» أطلق سراحه، لا فائدة من تسليمه، إنه طفل»
لم يفلحوا إذا، في تشتيت صفوفنا ولا في استفزازنا حتى نرد العنف بالعنف،فقد فر الشاب ورفيقيه متسللين بين جموع الناس الغفيرة، فعادت الاجواء صاخبة،كما كانت وانطلقت من جديد أصوات مشييعين وهي تقول: خبز وماء والنهضة لا، خبز وماء والنهضة لا، تنديدا بالحزب الحاكم بالبلاد وبزعيمه الذي لم يحم الفقيد شكري بلعيد رغم التهديدات العديدة والمتواترة التي تلقاها منذ الثورة .
فلم يقبض على القاتل رغم ارتكاب جريمة الاغتيال صبحا في حي قريب من العاصمة، تدب فيه الحركة باستمرار وفي مكان تحيط به المساكن والمقاهي من كل جهة وجانب، بعد أن تمكن من الفرار صحبة مرافقه على متن دراجة نارية .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.