إعداد: الأستاذ المبرز بكلية الحقوق بتونس ساسي بن حليمة ننشر اليوم الجزء الثاني من تعليق الأستاذ المبرز بكلية الحقوق بتونس ساسي بن حليمة على القرار التعقيبي المدني عدد 35890 المؤرخ في 17 سبتمبر 2009 نشرية محكمة التعقيب 2009 القسم المدني 337 المتعلق بحضانة طفل من أم فرنسية وأب تونسي. II الاستثناء من تطبيق المبدإ: قررت المحكمة: ".. لكن الأمر يكون مختلفا إذا كانت الحضانة مقيمة إبان قيام الزوجية بالخارج مثلما هو الأمر في قضية الحال باعتبار أنه قد ثبت من مظروفات الملف أن الزوجة مقيمة بصفة عادية بالقطر الفرنسي أين وضعت ابنها المتنازع في حضانته وهي لا تزال كذلك مما يجعلها لا تدخل تحت طائلة أحكام الفصل 61 المذكور هذا فضلا عن كون المشرع أوجب في جميع المسائل المتعلقة بالحضانة اعتبار مصلحة الطفل واذا تضاربت المصلحة المذكورة مع مصلحة الولي في ممارسة حقه في الإشراف عليه، فلقد اقتضت القاعدة الأصولية الواردة بالفصل 556 م.ا.ع أن الأصل ارتكاب أخف الضررين ولا شك أن الضرر الذي سيلحق طفلا في سنواته الأولى من عطف وحنان أمه أكثر أهمية من الضرر الذي سيلحق والده من ممارسة حق الزيارة بطريقة يسيرة مما يتعين معه تقديم مصلحة الطفل وقد تناولت محكمة الحكم المنتقد هذا المطعن بالجواب وعللت رأيها تعليلا سليما لا تثريب عليه مما يتجه معه رده". ومن الملاحظ إذن على صعيد الواقع أن الأمر لا يتعلق بسفر حاضنة سفر نقلة كيفما يشير إلى ذلك الفصل 61 م. أ.ش، فالزوجان كانا منتصبين في فرنسا وقرر الزوج أن يغادر البلاد الفرنسية ويرجع إلى البلاد التونسية ولسنا ندري سبب أو أسباب تلك المغادرة، وإن كان ذلك بمحض إرادته أو بالرغم عنه. فلربما أصابه ضجير من إقامته في فرنسا وربما أصابه نفور من زوجته أو رغب في الرجوع إلى تونس للعمل بها، ولربما ارتكب افعالا تتعلق بميدان المخدرات أو المسك او الترويج او كانت اجرامية كالسرقة او التحيل او خيانة مؤتمن، لكن مهما كان سبب مغادرته للقطر الفرنسي ورجوعه الى تونس فإنه هو الذي غادر القطر الذي تعيش فيه زوجته. فإذا تم الطلاق بينهما هل تكون الزوجة مجبرة على الالتحاق به في تونس كي تمارس حضانتها وإلا فإنه يتمسك بحقه كولي في النظر في شؤون منظورة وينبثق يشتكي من أن وجود الحضانة لا يمكنه من القيام بواجباته. لكن مهما كان سبب مغادرته للقطر الفرنسي ورجوعه إلى تونس فإنه هو الذي غادر البلد الذي تعيش فيه زوجته، فإذا تم الطلاق بينهما هل تكون الزوجة مجبرة على الالتحاق به في تونس كي تمارس حضانتها وإلا فإنه يتمسك بحقه كولي في النظر في شؤون منظوره وينبثق يشتكي من أن وجود الحضانة لا يمكنه من القيام بواجباته. لو كان الجواب بنعم لكان حلا ظالما، فما هو ذنب الأم كي تنتزع منها الحضانة؟ وتحرم منها؟ وما هو ذنب الطفل كي يحرم من "عطف وحنان أمه"؟ حسب العبارة الواردة صلب القرار التعقيبي، ولا عجب إن قررت محكمة التعقيب "أوجب المشرع في جميع المسائل المتعلقة بالحضانة اعتبار مصلحة الطفل وإذا تضاربت المصلحة المذكورة مع مصلحة الولي في ممارسة حقه في الإشراف عليه فلقد اقتضت القاعدة الأصولية الواردة بالفصل 556 من مجلة الالتزامات والعقود أن الأصل في ارتكاب أخف الضررين ولا شك أن الضرر الذي سيلحق طفلا في...". مصلحة الطفل واذا أردنا أن نقف عند هذا التعليل ونتعمق في تحليله فإنه علينا بادئ ذي بدء ان نتساءل إن "كان المشرّع أوجب في جميع المسائل المتعلقة بالحضانة اعتبار مصلحة الطفل"، وبالرجوع الى مجلة الاحوال الشخصية نجد أن مصلحة الطفل مأخوذة بعين الاعتبار من قبل المشرّع تارة بصور ضمنية وتارة بصورة صريحة، فالفصل 56 ينص في فقرته الثانية ومنذ تحريره سنة 1956".. وإذا لم يكن للحاضنة مسكن فعلى الأب إسكانها مع المحضون".. ألا يستروح في هذا النص ان المشرّع آخذ بعين الاعتبار مصلحة المحضون بصورة ضمنية؟ (حول سكنى الحاضنة انظر دراستنا، م.ق.ت.ف 198 ص 28)، ثم ألا يشير الفصل 58 م.أ.ش. صراحة الى مصلحة المحضون بقوله"... ما لم ير الحاكم خلاف ذلك اعتبارا "لمصلحة المحضون..."، وأما الفصل 60 م.أ.ش. فهو ينص:"للأب... كل ذلك ما لم ير القاضي خلافه لمصلحة المحضون"، وأما الفص 62 م.أ.ش ف. قد جاء فيه: "... وما لم تقتض مصلحة المحضون خلاف ذلك"، أما الفصل 67 م.أ.ش. فلقد جاء بفقرته الثالثة".. وعلى القاضي عند البت في ذلك أن يراعي مصلحة المحضون". وجاء في آخر الفقرة الخامسة من نفس الفصل"... أو لأي سبب يضر بمصلحة المحضون". فلا مناص إذن من اعتبار أن محكمة التعقيب على صواب عندما اكدت "أن المشرّع في جميع المسائل المتعلقة بالحضانة أوجب اعتبار مصلحة المحضون"، أما بالنسبة للفصل 556 من مجلة الالتزامات والعقود فإنه فعلا يؤكد ان الأصل ارتكاب أخف الضررين. فما بقي عندئذ على محكمة التعقيب إلا أن تؤكد ان "الضرر الذي سيلحق طفلا في سنواته الأولى من عطف وحنان أمه اكثر أهمية من الضرر الذي سيلحق والده من ممارسة حق الزيادة بطريقة يسيرة مما يتعين معه تقديم مصلحة الطفل"، واعتبرت على ذلك الاساس ان محكمة الحكم المنتقد قد تناولت هذا المطعن بالجواب وعللت رأيها تعليلا سليما لا تثريب عليه مما يتجه معه رده. تعليل مستساغ وبما أن محكمة الموضوع قد عللت قضاءها تعليلا مستساغا وبما ان محكمة التعقيب كانت متفقة معها فيما وصلت اليه من نتيجة فإن الزوج أخفق في محاولته انتزاع الحضانة من والدة الطفل، ولربما كان الحل الاقل ضررا بالنسبة لجميع الاطراف أي الطفل وكل من الأب والأم يتمثل في اتفاق بين والدي الطفل على ان تبقى الحضانة للأم وتبعث الأم الطفل على نفقة الأب الى تونس بمناسبة العطل عندما يصبح تلميذا. فلا يحرم الطفل من عطف والدته وحنانها ويبقى على اتصال بوالده ويتمتع خاصة في الصيف بما توفره البلاد التونسية من مرافق ومناخ ممتع يسعى الاجانب في التمتع به وبالشمس وبما يطيب به العيش، لكن هذا الحل يستوجب وجود ثقة بين الوالدين وعدم قرب من قبل الأم من إلقاء الطفل بتونس وعدم إرجاعه لها مما قد يتسبب لها إما في محاولة لاسترجاعه عندها للبلاد الفرنسية قد تنجح وقد لا تنجح متسببة لها مهما كان من أمر في أتعاب وربما تنقل للبلاد التونسية وأجرة محاماة. وإذا أصرّ الوالد على عدم إرجاع الطفل ربما لا سعيا لتحقيق مصلحة الطفل بل ربما رغبة في التنكيل بوالدته التي طلقته إنشاء ولفظته لفظ النواة. ولا يبقى عندئذ للوالدة إلا ان تندب حظها وتذرف دموعا منهمرة بقلب يحترق ولوعة متأججة في فؤادها، أما الطفل فقد لا يجد من يعوض أمه ويغدق عليه العطف والحنان ويحقق له الراحة والاطمئنان وعدم الشعور بالانبتات اذ انه يكون قد تعوّد على مناخ انسجم معه وتكلم لغة أهله وشبّ وترعرع فيه. فيصبح الطفل ضحية فقدان الانسجام بين والديه فلا يكفي ان يحرم من العيش في كنف عائلة يسودها الوئام بل يصبح عائشا في وسط لا يحقق له لا سعادة ولا هناء ولا توازنا نفسيا، ولربما اعتبر البعض ان عيش الطفل في تونس سيحقق له النشأة في وسط عربي إسلامي بعيدا عن موبقات البلدان الغربية التي وصل بها الأمر الى سن قوانين تسمح بالزواج بين المثليين، فإذا كان الطفل عاش وكبر في فرنسا التي تعج بالموبقات ألا يخشى ان يفقد دينه الذي هو دين أبيه؟ لكن لقائل أن يقول ألا يوجد في فرنسا آلاف الأبناء المسلمين؟ فهل تأثروا بالموبقات؟ ألا يقيمون الصلاة؟ ألا يؤمون المساجد؟ ألا يقومون بالحج الى بيت الله الحرام؟ ألا يصومون رمضان الكريم؟ نرى أن الحل ليس بالسهل ولا بالواضح، ولا يبقى إلا أن نبتهل الى الله عزّ وجلّ بأن يجنّب الطفل مزالق العيش في فرنسا بعد أن تجنب بفضل القضاء التونسي الحرمان من عطف والدته وحنانها. (انتهى)