مسلسل لي الذراع بين مؤسسات الدولة وحسين العبيدي منذ ان «ربح» في 19 مارس 2012 قضية كان رفعها طالبا فك اقفال مقصورة الامام بجامع الزيتونة وتمكن من تنفيذ هذا الحكم وحسين العبيدي الامام السابق لاحد جوامع ضاحية بن عروس لا يكاد يختفي من مواجهة الاحداث الا ليعود اليها مجددا فبعد فكه لاقفال المقصورة انتصب اماما لل»جامع الاعظم» وداعية لاستئناف التعليم الزيتوني الاصلي. وبعد شهر من ذلك تحصل على وثيقة وقعها في حفل مهيب ثلاثة وزراء (الشؤون الدينية، التربية، التعليم العالي). اعتبرها العبيدي سندا قانونيا تسمح له باستئناف التعليم الزيتوني الاصلي بينما تراجع من وقعوها واعتبروها بروتوكول اعلان مبادئ غير ملزمة في شيء. ومنذ ذلك التاريخ والعبيدي حاضر في واجهة الاحداث ك»وريث شرعي» للجامع الاعظم» وممتلكاته المصادرة وتعليمه مستعد وبكل شراسة للدفاع عن حقه بكل الوسائل بما فيها الاستحواذ على المقرات وطرد شاغليها وحتى ان لزم الامر للشتم والعنف. من هو حسين العبيدي؟ من الثابت ان حسين العبيدي متحصل على شهادة تقني سام اما ما صرح به لبعض الصحف خلال شهر ماي 2012 من انه زيتوني الاصل ومتحصل على شهادة العالمية للمراحل العليا للتعليم وهي اعلى شهادة يمنحها «التعليم الزيتوني الاصلي» فقد شكك البعض في صحته ونفوا انتماء الشيخ للتعليم الزيتوني اصلا بله ان يكون خريجا ساميا له. وفي الواقع فان المعلومات حول ماضي هذا الشخص الدراسي والشخصي شحيحة جدا والبحث عن سيرة شخصية له على الانترنيت لا يفضي الى شيء وهو امر غريب من شخص يسعى لان يكون «شخصية» مؤثرة في المجتمع ويحلم بان يقف وراء «ثورة تعليمية» باتم معنى الكلمة تعيد «مجد» التعليم الزيتوني وبين اوجهها تعريب تدريس الطب في بلادنا وفي النهاية فانه يمكن القول ان ثلاثة اشياء فقط ثابتة في شأن ماضيه وهي انه متحصل على شهادة تقني سام وانه كان اماما لاحد الجوامع ببن عروس وانه كان في ماض يبدو اليوم سحيقا جدا كان مرارا في مقدمة الحاضرين «في التظاهرات الدينية التي ّاشرف عليها سيادة الرئيس زين العابدين بن علي حامي حمى الدين» والغريب والطريف ايضا في «الملهاة والمأساة» التي تمثلها محاولة اعادة نفخ الروح في التعليم الزيتوني الاصلي ان الهيئة التعليمية التي انتصبت لارجاع التعليم الزيتوني لم تنبثق عن هذا التعليم وافرادها ليسوا من اصحاب الشهادات العلمية العليا من جامعات مرموقة او من جامعات اسلامية عريقة ومشهود لها كالازهر مثلا ويبدو صاحبنا أي حسين العبيدي للوهلة الاولى، في تقديري الشخصي في الواقع عبارة «عن دون كيشوت» من العصر الحديث لم يستوعب حتمية وسيرورة التاريخ ومنطق الزمن الذي نزعت فيه الهالة التي تكاد تصل الى حد القدسية عن «عالم الدين» وعن «ولاية الفقيه» التي اصبحت جزءا من الماضي. فالاسلام لم يكن ابدا سواء في عصور الجهل والانحطاط، دين كهنوت له الخليروس بل العلاقة فيه مباشرة بين الله وعباده، ومبادئه سمحة بسيطة واضحة تقوم على استبعاد الشر والنزوع الى البر والخير وفيه «الحلال بين «الحرام بين» ولا وصاية على الدين فيه من أي طرف وبالاخص ممن يتقدمون الصفوف من تلقاء انفسهم لينتصبوا اوصياء على الدين او رموزه. وريث شرعي اثر حفل الافتتاح المهيب (في 12 ماي 2012) رغم سقطاته من علم اسود و»رضي الله عنه وأرضاه» اعتبر الحسين العبيدي امضاء وثيقة استئناف التعليم الزيتوني الاصلي سندا قانونيا لتولي مهام الامام «الناظر» بجامع الزيتونة بل انه اعتقد وقد يكون على حق في ذلك ان يده أصبحت مطلوقة وانه الوريث الشرعي للجامع الاعظم ولل»تعليم الزيتوني الاصلي» فمسلسل الاحداث الذي سيقف وراءه العبيدي يؤكد ذلك. تكفير فبعد حوالي الشهر من ذلك نشبت أزمة معرض العبدلية وعرفت البلاد احداث عنف وشغب خطيرة جدا ساهم «إمام الجامع الأعظم» خلالها في صب الزيت على النار اذ قام العبيدي بتكفير الفنانين وقد يكون اعتقد انه يعيد بذلك المصعد الى السيد راشد الغنوشي بدعم حزبه في «المعمعة» كما انه كشف مخططه بان يحول «الزيتونة» الى ما يشبه المؤسسة الكنسية «الفاتيكان» في احاديث اصبح يدلي بها هنا وهناك اذ انه اصبح يطالب بان تسترجع الزيتونة كل ممتلكاتها على حد قوله ووقفها الضخم الذي يشمل نصف الاراضي الخصبة بالبلاد وايضا مباني لا حصر لها من بينها كلية الاداب بشارع 09 افريل 1938 والمدرسة الخلدونية ثم عمد الى الاستيلاء على جامع سيدي يوسف المحاذي للزيتونة وحوله الى مدرسة للنساء كما اعلن «سيدنا» عن عزمه على ارساء تعليم بكافة مراحله (الابتدائي والثانوي والعالي) مواز للتعليم الرسمي وغير خاضع لاي سلطة او رقابة سوى سلطة مشيخة الجامع الاعظم التي نصب نفسه عليها. علما وأن هذه «المشيخة» لا وجود قانوني لها وهي «اختراع» عبيدي صرف. تحد واستفزاز واكتست الأمور في بعض الأحيان شكل تحد واضح ومستفز للدولة ومؤسساتها، مما يطرح للمرة الألف سؤالا بديهيا: وهو من يقف وراء هذا الرجل ومن يحميه ويشجعه على هذه الاستعداءات. وعلى غيرها التي ستأتي تباعا وتزداد حدتها من يوم لآخر لتقترن بما يشبه «البلطجة»؟ وإزاء التطورات المشار إليها سارعت وزارة التربية إلى نشر بلاغ «تتبرأ» فيه من المشروع موضحة أن فروع والتعليم الزيتوني المقرر إحداثها لم تتحصل بعد على أي ترخيص من قبلها» وأن الوثيقة التي وقعتها إلى جانب وزارتي الشؤون الدينية التعليم العالي ليست إلا بروتوكول مبادئ» وأنها «لا تعلو على القانون ولا تلزم الدولة ولا أيا من الوزارات في شيء» وصرح وزير التربية «فكما تم التوقيع يمكن سحبه والمدارس التي فتحت دون ترخيص هي خاضعة للمساءلة». كما تولى المكلف العام بنزاعات الدولة في حق الوزراء الثلاثة برفع قضية في إبطال «وثيقة 12 ماي 2012» وبوجوب إرجاع «مقصورة الإمام» إلا أنه لم يتم بعد الحسم في الدعوى التي لا تزال منشورة أمام دائرة مدنية بابتدائية تونس. أما وزارة الشؤون الدينية التي اكتوت بدورها بنار هذا الشيخ فقد أوضحت أنه ليس الا إماما بأحد مساجد ضاحية بن عروس وأنه لم يعتل ثانية منبر جامع الزيتونة، إلا أن حسين العبيدي فضل التصعيد والتحدي ولي الذراع وهو ما يطرح بمرارة للمرة الألف سؤال: من يقف وراءه ومن «يسند ظهره» ويشجعه ويطرح هذه المرة بوضوح ما بعده وضوح اشكالية ازدواجية السلطة والايدي الخفية التي تحرك بعض الخيوط من وراء حجاب، وهل ان هناك دولة وراء دولة؟ فقد تولى العبيدي الامامة في اول جمعة بعد موقف الوزارة في جامع الزيتونة وأطرد الامام المعين من قبلها للامامة يومها. بل اتهمت الوزارة الامام بتغيير أقفال أبواب الجامع، كأن الجامع الاعظم تحول الى ملك خاص ولما ارسلت الوزارة عدلا منفذا لمعاينة تغيير الاقفال تعرض الى اعتداء بالشتم والعنف ليتم يومها (3 أوت 2012) ايقاف «شيخ الجامع الاعظم» ليفرج عنه في نفس اليوم !! وقد اتهمته الوزارة صراحة آنذاك ب»البلطجة» اذ ورد في بلاغ لها في بداية اوت 2012: الاعتداء بالعنف اللفظي والمادي على عدل التنفيذ، فقررت الوزارة إقالته وكلفت الاستاذ الجامعي محمد بوزغيبة بمهمة الامامة في الزيتونة ليوم الجمعة 11 اوت 2012 الا أن انصار العبيدي الذي تغيب بدعوى المرض أطردوه واعتلى المنبر يومها سالم العدالي. وصرح العبيدي اثر ذلك لوكالة فرانس براس أنه لن يعتلي منبر الزيتونة الا من كان عضوا في مشيخة الجامع الاعظم علما انه كما ذكرنا سابقا انه لا وجود في القانون للمشيخة. والغريب في الامر ان القضية الجزائية المرفوعة ضد حسين العبيدي منذ شهر اوت الماضي لاتزال مفتوحة أي بعد حوالي 7 أشهر من حصول الوقائع الخطيرة المذكورة كأن اعمال التحقيق فيها متشعبة والاطراف فيها عديدون والحقيقة ضائعة صعبة المنال !! سابقة خطيرة وفاتحة لنشر الفوضى وها ان الحسين العبيدي يواصل على نفس المنهج ويوقع بنفس التوقيع على احداث من نفس القبيل اذ تعمد يوم 2 جانفي الفارط احتلال مبنى الخلدونية وتغيير اقفاله بنفس التعلة دائما وهي انه «تابع لمشيخة الزيتونة فمثل الموضوع منه شكوى مدنية واخرى جزائية ضده وانضافت اليها بعد ايام شكوى جديدة... من اجل الاعتداء بالعنف اللفظي والمادي على «زميل» وهو امام جامع اليوسفي بتونس اذ ادعى العبيدي انه صاحب الجامع يعين للامامة من يشاء ويعزل منها من يشاء وقد رفع هذه الشكاية الجديدة المكلف العام بنزاعات الدولة متهما العبيدي ب»امامة جامع دون صفة» والدعوة للتمرد على السلطة العامة بالمساجد وفي الاثناء تحصلت جمعية الدراسات الدولية على حكم مدني ينصفها في خصوص مقر الخلدونية اذ قضى بارجاع الحالة الى ما هي عليه وتم تنفيذ الحكم يوم 5 فيفري الجاري ولكن جزئيا !؟ اذ سلم العبيدي بعض المفاتيح محتفظا باخرى اذ رفض تسليم مفاتيح «غرفة ابن شرف» بتعلة انها موضوع قضية جزائية في سرقة مخطوطات !! كما تعمد استعمال القاعة الكبرى المخصصة لاجتماعات جمعية الدراسات الدولية لتدريس تلاميذه. مما جعل قضية جزائية جديدة تنضاف الى رصيد «الامام الأعظم» من اجل الرجوع في الشغب وقد وصل الامر بحزب التكتل المشارك في الحكم اعتباره الاستيلاء على مقر الخلدونية بالخلع من قبل الحسين العبيدي عملية فوضوية وسابقة حظيرة لا يمكن السكوت عنها... وان ما سبق الحادثة من استيلاء على منبر جامع الزتيونة من قبل نفس الطرف وبنفس الاساليب هو فاتحة لنشر الفوضى وعدم احترام قوانين البلاد ومؤسساتها». ◗ جمال الدين بوريقة ملاحظة: هذا هو المقال الثاني في اطار سلسلة من المقالات «المترابطة المنفصلة» في نفس الوقت حول موضوع محاولة إعادة «التعليم الزيتوني الأصلي» ومسلسل القضايا المدنية والجزائية المرفوعة ضد الإمام حسين العبيدي الذي يعتبر نفسه «الإمام الشرعي» للجامع الأعظم وتعتبره السلطة الشرعية في البلاد «مارقا» على القانون ونصب نفسه بنفسه.