بإعلان «حركة النهضة» أمس على لسان رئيسها الشيخ راشد الغنّوشي قبولها بتحييد كافّة وزارات السيّادة في الحكومة المقبلة تكون قد انزاحت عن طريق السيد علي لعريّض عقبة كأداء حالت بالتأكيد دون التّسريع في تشكيل حكومته المرتقبة والإعلان عنها... نقول هذا لا لأن رئيس حركة النهضة نفسه قد ربط بين «المسالتين» (مسألة تحييد كافة وزارات السّيادة ومسألة الاعلان عن تشكيلة الحكومة الجديدة) عندما أضاف أنه يتوقع تبعا لذلك أن يتم الإعلان في نهاية الأسبوع الجاري عن التشكيلة الحكومية وإنما أيضا لأن «مطلب» أو شرط تحييد وزارات السيّادة الثلاث (الداخلية والخارجية والعدل) مثل على امتداد الأشهر الماضية نقطة خلاف جوهرية كادت ان تأتي على علاقة حركة النهضة لا فقط بأحزاب المعارضة وإنما أيضا حتّى على علاقتها بشركائها في «الترويكا» الحاكمة... طبعا،،، لا نريد هنا أن نبحث في مدى وجاهة ومشروعية هذا «الشرط» سياسيا وحتى «أخلاقيا» ربما ! وإنما نريد أن نؤكد بالمناسبة على ضرورة أن تأخذ كل الأطراف السياسية في الحكم والمعارضة بالأسباب والقرارات التي تساعد على حصول التوافق فيما بينها خاصة في هذه المرحلة من أجل خدمة المشروع الاصلاحي وانجاح عملية الانتقال الديمقراطي.. للأسف،،، سنكون غير واقعيين إن نحن ذهبنا إلى القول بأن كل مكونات المشهد السّياسي وكل القوى الوطنية تبدو على استعداد اليوم لأن «تتنازل» ولو مرحليا عن حساباتها السّياسية الضيقة من أجل المصلحة الوطنية بدليل أن بعض هذه «الأطراف» قد رفضت ابتداءا مجرد الدخول في مشاورات مع السيّد علي لعريّض من أجل تشكيل حكومة بديلة لتجاوز أخطار ومحاذير الأزمة السياسية التي نتجت عن استقالة حكومة السيد حمادي الجبالي.. وبدليل أيضا أن بعضها الآخر لا يزال «يشترط» و»يشترط» إلى درجة المبالغة المضحكة ! وفيما يشبه القفز الساذج على حقائق العملية السياسية وما أفرزته صناديق الاقتراع في انتخابات 23 أكتوبر 2011.. لسنا بصدد الإشادة بمواقف «طرف» حزبي بعينه.. بل وحتى نكون واضحين أكثر نقول أننا لا نعتبر قبول حركة «النهضة» أخيرا بتحييد وزارة الداخلية «تنازلا» ولا «منّة» من طرفها... ذلك أن كل قرار سياسي يساعد على تحقيق المصلحة الوطنية العليا في هذه المرحلة يصبح الأخذ به وإعلانه واجبا على كل فاعل سياسي سواء كان في السلطة أو في المعارضة.. وإنما الذي لابد أن يثير الانتباه بالمقابل هو هذا «الانتفاخ» السياسي الكاريكاتوري الذي لا تزال تبديه بعض «الأطراف» الحزبية غير ذات الوزن سياسيا وشعبيا والتي تريد أن توحي من خلاله بأنها «موجودة» متوهمة بأن واقع الأزمة السياسية في حد ذاته يبيح لها ذلك !!! إن إعلان حركة النهضة أمس عن قبولها بتحييد وزارة الداخلية يمثل في حد ذاته عملية دفع قوية في اتجاه تحقيق قدر من التوافق يبدو ضروريا ولازما من أجل اجتماع قوى الاعتدال والواقعية السياسية في هذه المرحلة تحديدا على خدمة أهداف الثورة وتحقيق عملية الانتقال الديمقراطي بأقل التكاليف سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأمنيا .