في اطار البحث عن أرضية توافق بين مختلف مكونات الساحة السياسية قدمت قوى المعارضة مطلبا مشتركا رأوا أنه أساسي لانجاح المرحلة الثانية من الانتقال الديمقراطي وهو تحييد وزارات السيادة الامر الذي اعتبرته "الترويكا" الحاكمة مزايدة سياسية ورفضت حتى تناوله بالنقاش.. فهل يمكن ان نتوقع من أحزاب التحالف الحكومي تعديل موقفها من المرحلة القادمة والقبول بمسألة تحييد وزارات السيادة وخاصة وزارة الداخلية ؟ في حديث سابق ل" الصباح" مع عضو الهيئة المستقلة للانتخابات سامي بن سلامة بين أن "مسألة تحييد وزارات السيادة يعد نقطة مهمة جدا في الانتخابات ملاحظا ان الامر يهم ايضا وزارة التربية التي تتعامل معها الهيئة والمطلوب في مرحلة انتقالية حساسة هو النأي بالهيئة والانتخابات عن التجاذبات السياسية..فلا يمكن -حسب رايه- القيام بانتخابات في وضع تكون فيه الادارة "مائلة" لحزب معين فحتى ان لم يتدخل الوالي أو المعتمد مدفوعا بانتمائه الحزبي والذي على اساسه حظي بمنصبه فانهما قد يتدخلا مدفوعين بالحرص على التشبث بصلاحيات ورثاها من منظومة سابقة.. فما بالك ان كان ذلك الشخص متحزبا." وذكر بن سلامة أن "الانتخابات القادمة ستكون أصعب مئات المرات من الانتخابات السابقة نظرا لأن الحكومة الحالية مشاركة في الانتخابات بمختلف تشكيلاتها وهذا أمر طبيعي ومقبول." وأضاف " ان الخطورة لا تكمن في الوزير في حد ذاته وانما في الادارة والاداريين الذين خوفا أو طمعا قد يميلون الى حزب الوزير والمشكل الحقيقي تمثله قطعا الادارة.. ولذا فلا بد من تحييدها وبالتالي من واجب كل حكومة مهما كان لونها الحرص على تأمين حياد الادارة." المعارضة.. حكومة كفاءات محدودة العدد أوضح شكري بلعيد أمين عام حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد (عضو مؤسس للجبهة الشعبية) "لقد طالبنا بتشكيل حكومة جديدة، حكومة كفاءات وطنية محدودة العدد لا يتجاوز عددها الخمسة عشر وزيرا.. لا يترشحون للانتخابات القادمة." وقال " فيما يخص وزارات السيادة تصبح المسألة أكثر إلحاحا لارتباطها مباشرة بكل مراحل العملية الانتخابية وبقاء وزارات السيادة ما عدا وزارة الدفاع تحت سيطرة حركة النهضة يعني أن الانتخابات مرشحة للتزوير ومن المنتظر أن تتمسك حركة النهضة بمواصلة وضع يدها على هذه الوزارات ولا يمكن أن تغير رأيها الا تحت الضغط السياسي والميداني الجماهيري وهي عملية واردة ومتراكمة ومتواصلة." واعتبر بلعيد أن المسألة متعلقة بموازين قوى تتغير في الواقع كل يوم. وانتقد حركة النهضة وقال إنها " ضالعة في فشل الحكومة وإدخال البلاد في أزمة سياسية واجتماعية مفتوحة". ودعاها "إما الى التمسك بالكرسي وبمصلحتها الحزبية والدخول في صدام وقطيعة مع الجميع أو القبول بتغليب المصلحة الوطنية والجلوس الى طاولة الحوار للخروج من الازمة الخانقة وما يتطلبه ذلك من ضرورة التخلي عن المتسبب فيها وهو الحكومة الحالية." ضمان انتقال ديمقراطي سلس بدوره أوضح عصام الشابي الناطق الرسمي للحزب الجمهوري أن "مطالبة حزبه بتحييد وزارات السيادة يتنزل في اطار ضمان انتقال ديمقراطي سلس والمرور لانتخابات حرة.. وقال :" مطلب تحييد وزارة الداخلية بالاساس لم يأت من فراغ باعتبار أن وظيفة الأمن هي حماية الحريات وفرض سلطان القانون على الجميع في الوقت الذي ثبت فيه أن وزارة الداخلية قد فشلت في تحقيق المستوى المطلوب من الامن وعجزت عن فرض سيطرتها على مختلف مكونات المجتمع". وبين أنه " خشية على المسار الديمقراطي وخشية من اتساع رقعة العنف يوما بعد يوما فإن تحييد وزارة الداخلية وتسمية شخصية وطنية مستقلة يعد أمرا ضروريا.. ". وأضاف " ليس الهدف من مطلب تحييد وزارة السيادة النيل من وزير الداخلية الحالي فهو شخصية مناضلة ذات كفاءة وانما هدفنا ضمان مصداقية المرحلة القادمة واساسا الاستحقاق الانتخابي.. علما ان مطلب تحييد وزارة الداخلية ووضع شخصية غير متحزبة لم يبق مطلب طرف بعينه بل وجد صدى عند كل القوى السياسية باستثناء "الترويكا"". وأفاد عصام الشابي أن" تحييد وزارة الداخلية يعد نقطة أساسية ومهمة في المرحلة الحالية من أجل ايصال البلاد الى الانتقال الديمقراطي فلا يمكن أن ينجح ذلك في اطار انفلات امني ووجود أمن عاجز عن ضمان سلامة الحملة الانتخابية والشخصيات السياسية.." فالتحييد حسب رأيه" مطلب حيوي وضروري لانجاح الانتقال الديمقراطي." وأشار الى أن "الأسماء موجودة وبكثرة ولكن الاشكال يكمن في الاقتناع بهذا التغيير لضمان انتخابات خالية من العنف وبعيدة عن الاكراهات". إدارة غير محايدة بدوره قال محمد لزهر العكرمي عضو المكتب السياسي لحركة نداء تونس "حسب تقديرنا لا يمكن انجاز المرحلة الثانية من الانتقال الديمقراطي وإجراء الانتخابات بإدارة غير محايدة، فالأجهزة الأمنية بمعية وزارة الداخلية هي عنصر رئيسي لتحديد البيئة الانتخابية السليمة لأنه في غياب استقلال القضاء وحياد الأجهزة الأمنية فإن الانتخابات لا يمكن أن تكون نزيهة وحرة وقد أضيف اليوم ذراع شبه عسكري قالوا أنه لحماية الثورة وهو في الحقيقة للسيطرة على الناس ومنع القوى الديمقراطية من التحرك السياسي لتأمين نتائج الانتخابات كيفما يريدون." وأضاف في نفس السياق " كما أن وزارة الخارجية التي تتعامل مع الجالية في الخارج التي تنتخب 19 نائبا يمثلونها في البرلمان يجب أن تكون محايدة ويدخل ذلك ضمن حياد الادارة وما لم يتم تصحيح البيئة الانتخابية بهذه العناصر فلا يمكن الحديث عن انتخابات شفافة لان الانتخابات يمكن أن تدلس قبل أن تبدأ." وذكر العكرمي ان " مطلب حياد وزارات السيادة ليس مكسبا للقوى الديمقراطية فقط وانما هو الوضع الطبيعي لأي مرحلة من مراحل الانتقال الديمقراطي ومن هذا المنطلق يعتبر نداء تونس أنه لابد من حياد الأجهزة الامنية والادارة واستقلال القضاء فعندما يكون الاشخاص الذين على رأس هذه الوزارات من ذوي الولاءات الحزبية فإن ذلك يعني انتخابات مزورة." الترويكا ترد.. من جانبه قال عبد الحميد الجلاصي الناطق باسم حركة النهضة ردا على مطلب المعارضة تحييد وزارات السيادة: " في الأنظمة الديمقراطية من حق المعارضة المطالبة بما تريد ولها طرقها لسحب الثقة من الحكومة من أحد الوزراء أو الدعوة الى انتخابات قبل أوانها." وأضاف "منذ انتخابات المجلس التأسيسي وتكوين حكومة "الترويكا"، والمعارضة تطالب بتشكيل حكومة تكنقراط وحكومة وفاق وطني وغيرها من المقترحات..من حقها الاقتراح والمعارضة لكن في نظرنا مراعاة استقرار البلاد هي أولويتنا.. " وقال الجلاصي" اذا رأت الترويكا اعتمادا على أدائه ضرورة تغيير أي وزير من الوزراء فهي ستنظر في ذلك ويتم التغيير على هذا الاساس فقط فالحكم هو الأداء.. ويبدو لي أن وزارات السيادة قائمة بمسؤولياتها وهو موقف مكونات الترويكا." مسألة صعبة التحقيق أما محمد بنور المتحدث باسم حزب التكتل فهو يرى ان "مطلب تحييد وزارات السيادة طلب موضوعي وهو أمل كل التونسيين كما أنه أمل حزب التكتل". ولكنه يرى في نفس الوقت أن الخوض في هذا الموضوع يتنزل ضمن "الجدل العقيم اذ ان الحياد مسألة نظرية بحتة ولا يمكن تطبيقه على ارض الواقع اليوم فمن هي الشخصيات التونسية المستقلة عن كل الاحزاب والقادرة وعليها اجماع تام في البلاد من قبل جميع السياسيين في السلطة وخارجها وفي صلب المجتمع المدني؟!.