أكد عبد اللطيف الحناشي أستاذ تاريخ الفكر السياسي المعاصر والراهن، خلال ندوة علمية نظمتها الجمعية التونسية لقانون التنمية أول أمس تحت عنوان "العنف السياسي في تونس: طارئ أو موروث" بأنه يُخطئ من يقول بأن ظاهرة العنف السياسي هي ظاهرة جديدة على المجتمع التونسي فهو قول "لا يجانب الحقيقة والواقع فحسب بل قد يساعد على تكريس العنف ويبرره بدون وعي إذ لا يخلو تاريخ شعب من الشعوب، بما في ذلك الشعوب التي وصلت الى درجة كبيرة من التقدم، من ممارسة العنف السياسي الذي تمارسه الأطراف السياسية فيما بينها". ولاحظ أن العنف السياسي تمتد جذوره من مرحلة التحرر الوطني إلى مرحلة حكم الزعيم الحبيب بورقيبة إلى زمن حكم الإستبداد السياسي ليأخذ أشكالا جديدة بعد الثورة تراوحت بين عنف السلطة و عنف الجماعات. على هذا الاساس تم تنظيم هذه الندوة العلمية للوقوف عند الرواسب التاريخية للعنف السياسي والقيام بتحليل علمي من منظور اجتماعي ونفساني وقانوني وتاريخي في الغرض والعمل على إيجاد مقترحات وللخروج بتوصيات ذات أبعاد قانونية كما أكدت ذلك سهام بوعزة رئيسة الجمعية التونسية لقانون التنمية. وقد ارتأى المتدخلون أن يتطرقوا أولا إلى مفهوم العنف باعتباره مفهوما مركبا متعدد الصور والأبعاد والمستويات يتضمن دلالات إجتماعية وسياسية واقتصادية على حد قول الأستاذ عبد اللطيف الحناشي. تصاعد وتيرة العنف فتواتر مجموعة من المصطلحات والألفاظ التي تبدو غريبة عن المجال الإعلامي والسياسي والمشهد اليومي التونسي إلى جانب تصاعد وتيرة العنف بجميع أشكاله اللفظية والجسدية إلى حد الاغتيال السياسي جعلت كل القوى السياسية والمدنية والحقوقية تطلق صيحة فزع هل أن العنف متأصل في المجتمع أم هو مسألة هامشية طارئة كما تساءل منير السعداني أستاذ علم الإجتماع الثقافي خلال تقديمه لمداخلة تحت عنوان "العنف: أصوله الإجتماعية وأنماطه الثقافية". ويبقى السبيل إلى تطويق هذا العنف قانونيا معضلة المعضلات بعد الثورة وإن بسط صالح الغزواني محام وكاتب عام مساعد الجمعية التونسية لقانون التنمية المسألة من جانبها الإجرائي والتشريعي في مداخلته حول "القانون والعنف السياسي". ذاكرا ان انتشار أعمال العنف ذات "طابع سياسي "تدرجت من العنف اللفظي والمادي البسيط لتصل إلى أعلى درجات العنف وهو الإغتيال السياسي وهي ظاهرة تبدو غريبة عن المجتمع السياسي في تونس بعد الإستقلال إذا استثنينا المناضل الوطني صالح بن يوسف الذي تم اغتياله خارج البلاد" وهو ما أكده الأستاذ عبد اللطيف الحناشي أثناء مداخلته تحت عنوان " ظاهرة العنف السياسي في تونس : الجذور والسياقات" حيث صنف هذا العنف الى "عنف رسمي أو شرعي وهو الذي تستخدمه النخبة الحاكمة تجاه المعارضين لسياستها وتوجهاتها من فاعلين سياسيين أو حقوقيين أو نقابيين" اما العنف غير الرسمي فهو الذي" تستخدمه التنظيمات السياسية أو الاجتماعية تجاه النظام ومختلف مؤسساته وأفراده. عنف ممنهج أما بخصوص التطور التاريخي للعنف السياسي في تونس فان جذوره تعود الى مرحلة التحرر الوطني التي بدأت منذ سنة 1881 لتسحب على مرحلة حكم بورقيبة حيث "مارس الحزب الحاكم بعد الاستقلال العنف بكل أشكاله ضد الحركة اليوسفية والزيتونيين والعروبيين وضد الحزب الشيوعي ومجموعة آفاق والبعثيين ، لتمتد جذوره الى الحركة الطلابية منذ الثمانينات " وأضاف الحناشي ان " نظام بن علي كان نظاما مولدا للعنف وليس ممارسا له حيث اتبع عنفا ممنهجا" في حين ان العنف بعد الثورة شمل عنف السلطة وعنف الجماعات حيث انتشر " العنف اللفظي وتنامى التعصب الديني وغابت روح التسامح وتواتر الخطاب المكفر للنقابيين والمعارضين، كما كان لوسائل الإعلام دور في نشر خطاب العنف بوعي أو من دونه لما اعتمدته من أسلوب إثارة تترجمه ردة فعل السياسيين من داخل المجلس الوطني التاسيسي وخارجه" ومظاهر عنف السلطة الجديدة اتخذ أشكالا جديدة بعد الثورة أعنف من المواجهات التي جدت ضد نظام بن علي على غرار أحداث سليانة وأحداث 9 أفريل وغيرها. عنف الجماعات هو بدوره مصنف الى عنف القبائل والعروش والأحياء وعنف ما يعرف برابطات الثورة وهو عنف سياسي على خلفية أيديولوجية الى جانب عنف الجماعات السلفية والذي برز منذ أكتوبر 2012. في ذات السياق اكد المحامي صالح الغزو اني ان العنف السياسي "تصدر قائمة الأحداث التي جدت ببلادنا مؤخرا، وهو من أخطر أنواع العنف وأكثرها انتشارا على الإطلاق لكثرة المبررات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يحتمي بها دعاة العنف السياسي، حيث يجد رجال السياسة والأحزاب السياسية والأيديولوجية في العنف السياسي طرقا سهلا لتحقيق طموحاتهم في السلطة، أو رغباتهم في المحافظة عليها" ظاهرة قديمة وأضاف الغزو اني انه "نظرا لتعقد ظاهرة العنف السياسي وتعدد متغيراتها، فقد تعددت الاتجاهات والمدارس في تفسير أسباب هذه الظاهرة، وتباينت باختلاف المنطلقات الفكرية والسياسية بل والتخصصات العلمية للباحثين" مشيرا بانه بالرغم " من ذلك التعقيد، يعد القانون ولاسيما منه الجزائي، مع توفير البيئة الخصبة لتطبيقه والتي من أهمها القضاء العادل والمستقل، لبنة مهمة من اللبنات المتشابكة الكفيلة بإنهاء العنف السياسي او على الأقل تقليصه" مؤكدا ان هذه المسالة تحتم "تكاتف المجتمع الدولى لتضيق الخناق علي المجرمين الفاعلين في ميدان جرائم العنف السياسي على جميع الأصعدة وعليه فانه يجب تقريب المفاهيم دوليا وتدقيق الأوصاف والعناصر المكونة لجرائم العنف بجميع انواعه الموجه لجميع الفئات في اطار احترام الدول لالتزاماتها بموجب الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها أو انضمت إليها و المتعلقة بحقوق الإنسان ومناهضة العنف بجميع أشكاله" .