تحت عنوان «ماذا يبيت قيراط وما سر التململ لدى حكام العاصمة»؟ كنا نشرنا الحلقة الاولى عن الاساليب المعتمدة في لجنة تعيينات الحكام.. ووعدنا بنشر الحلقة الثانية والاخيرة من الموضوع. كنا توقفنا عند الفقرة التالية: قرر قيراط ان يحرم على حكام النخبة من العاصمة الذين تتوفر فيهم الشروط الموضوعية الدخول لقائمة التفقد من سن ودرجة تحكيمية (أي من لم يمكنهم قيراط من الرصيد اللازم من مباريات الرابطة الاولى الا في النادر النادر حتى لا يطمحوا الى الدخول لقائمة التفقد في الموسم المقبل ثم اختار للمميزين منهم احد العقابين (وكنا نشرنا العقابين) ونواصل اليوم مع الحلقة الثانية مثلما اسفلنا الذكر. بهذا الأسلوب، يخلو المجال حتما لقيراط الصغير كي يكون الحكم القادم على مهل للتربع على عرش ساحة تحكيميّة عاقر فيرتع كما يشاء في الرابطة الثانية تمهيدا للأولى، ناهيك أن السيّد الوالد يختار له من المباريات ألينها ومن المساعدين خيرتهم وتوصى به الجمعيّات خيرا والمراقب والمندوب والجماهير أيضا لئلا يؤتى منهم مكروه أو يصدر من أفواههم ما قد يضايقه أو يتطيّر من سماعه والحمد للّه أن المباريات تدور بلا حضور جمهور. كيف لا والحلقة القادمة من المسلسل سيقع فيها تعيين الشاب الألمعيّ ابن أبيه في مباراة أو اثنتين من الرابطة الأولى قبل نهاية الموسم أو ربّما 4 إلى 5 مباريات تمهيدا لضمّه إلى قائمة التفقّد، ألم يسبق أن أعدّت له الأرضيّة قبل اقلّ من عامين لجعل الاختبار الكتابي للدرجة الأولى في التحكيم أسهل من السهولة واصبح الناجحون في الدورة التي اجتازها المدلّل يعدّون بالعشرات بين حكام ومساعدين، وقد كانوا إلى وقت قريب في فترة يونس السلمي لا يتجاوزون 7 حكام ساحة على كامل الجمهوريّة. وبينما الناس في غفلة من أمرهم ترى الأب بكلّ قواه يحشو بطن ابنه الغضّ الطريّ بأكثر مما تطيق ضلوعه من المباريات كأنما يسابق به الزمن والحال أنّ هناك حكاما في تونس وقفصة والكاف وقابس هم أفضل وأقدر وأنجح لكنّ التجاهل والتهميش والحيف جعل عزائمهم تخور ومواهبهم تضيع أدراج الرياح وما أشبه اليوم بالبارحة. لقد أصبحت مشاهدة طريقة إدارة قيراط لتعيينات الرابطة المحترفة أشبه ما تكون بمشاهدة حلقات مسلسل ضعيف الحبكة يعلم الجميع أحداث حلقته الأخيرة وقد اختار قيراط أسماء من أتباعه لبطولة هذا المسلسل فيما أوجب على غيرهم سيما من حكام العاصمة أن يقنعوا فيه بأدوار ثانويّة. إنه مسلسل سيفضي لو استمرّ على وتيرته الحالية إلى إعادة مكرم اللقام إلى القائمة الدوليّة (وإن كنا نتعاطف معه لأنه ظلم في نيابة علي الحفصي) والابقاء على الثلاثي المتألف من الحشفي والقصعي وبن حسن ضمن قائمة التفقد الدولية للموسم الثاني على التوالي ليسهل إدخال أحدهم أو إثنين منهم إلى القائمة مع مطلع 2015. وقد يفكّر قيراط كما أسلفنا في إدخال ولده إلى قائمة التفقد منذ الموسم المقبل ومن ذا الذي سيجترئ على أن يمانع في بيعة وليّ العهد. أقول هذا برغم أنّ المخيّلة الضيقة للبسطاء أمثالي تعجز عن استساغة هذا السيناريو فقد حسبنا الثورة التي هبّت على بلادنا جاءت لتقلّص بعضا من صلف ولا مبالاة أصحاب الكراسي ولتخفي عنا ولو لحين منطق المحاباة والأكتاف و»الأقربون أولى بالمعروف». ومع ما في ذلك من غرابة يبقى الأنكى من كلّ أمر أن يستقيل المكتب الجامعي -على الأقل في العلن- من التدخل تصدّيا لهذه الطبخة التي يعدّها قيراط فرئيس الجامعة الذي افتتح عهده بصرامة غير مألوفة مع الحكام ومسؤولي التحكيم ترجمتها إقالات في الإدارة وتجميد نشاط لم يسلم منه الحكام الدوليّون ولا المراقبون (يذكر أن عواز الطرابلسي هو المدير الوطني الثالث للتحكيم خلال فترة سنة منذ انتخاب المكتب الجامعي)، الجري جعل من قيراط الورقة الوحيدة الثابتة في بيت التحكيم وكأن عهدا خفيّ قطع بينهما ربما أيام الحملة الانتخابيّة التي أدارها في الساحل، قوامها أن تسلّم لقيراط شؤون التحكيم صبرة واحدة دون حسيب ولا رقيب متحللا من كلّ حرج قد ينشأ عن تمييز إبنه الذي كان بالكاد يحكّم في الرابطة الثالثة بعد طول توسّل لدى الحبيب ناني. ولكن قد يسوغ لنا هاهنا التساؤل عن مقابل مثل هذه الصفقة خاصّة مع كثرة تشكيات الأندية الصغرى والمتوسّطة من التعيينات واتهام قيراط بأنّ تعامله مع الأندية الكبرى والأعضاء النافذين في المكتب الجامعي ظلّ في سياق «مرني تجدني طوع بنانك». كلّ هذه التظلّمات جعلت قيراط يسعى لذرّ بعض الرّماد على العيون خلال الجولة الأخيرة بتعيين 4 طواقم من العاصمة في الرابطة الثانية واثنين في الرابطة الأولى، ولكن بما أن الرجل يستبق الزمن بفتاه فإنه لم يتورّع عن تعيينه مجدّدا في الرابطة الثانية ليحطّم به أو يقارب الرقم القياسي للتعيينات هذا الموسم بين مختلف الأقسام والأصناف، وكأنّ حنان الأب حال دونه ودون حتى مجرّد ممارسة حيلة التعمية ولو لجولة واحدة. لعلّ قيراط يعلم في قرارة نفسه أنه مهما صنع، فما عاد من الممكن اليوم إخفاء لعبة إقصاء المنافسين تسويقا لمشروع قيراط الصغير، فقد افتضحت هذه اللعبة مثلما افتضحت لعبة تذليل القائمة الدّولية للانقضاض عليها من حكام الساحل، فرائحة اللعبتين أصبحت مؤذية للأنوف مؤذنة بالنهاية خاصّة إزاء تململ حكام العاصمة من تفاقم الجهويّة البغيضة في التعيينات ومن تجاهل إدارة التحكيم لهم، يكفي أن نذكر في هذا السياق حرمان حكام العاصمة طيلة الشهرين الماضيين من استغلال الملعب الفرعي بالمنزه المخصص لتمارينهم، ما اضطرّهم إلى التمرّن بلا مدرّب في ظروف قاسية وبرد قارس على إثر إيصاد الحيّ الوطني الرياضي أبوابه في وجوههم نتيجة لعدم إيفاء الجامعة بتعهّداتها ولتواني مسؤولي التحكيم ذوي الرواتب المنتفخة عن إزعاج راحة المكتب الجامعي بمثل هذه المواضيع التافهة في فترة تزامتن مع تحضير منتخب النسور لملحمة جنوب إفريقيا. على العموم، نحمد اللّه أن الغالبية الساحقة من حكام العاصمة قد وفقوا في اختبار ورنر يوم الاربعاء الماضي متحدّين الصعاب على أمل أن تحمل لهم الأسابيع المقبلة نبأ تغيير تنشرح له الصدور على مستوى رئيس لجنة التعيينات، هذا الذي شاءت له الظروف التي لم توات أحدا قبل الثورة كي يتقاضى آلاف الدنانير سنويّا وأن يباشر بنصف أو ربع دوام، ثمّ لا يجد حرجا بعد ذلك من أن ينادي إبنه وأصدقاءه وحتى أصدقاء إبنه لتقاسم الكعكة التي وضعها الجري بين يديه هنيئا مريئا.