أكثر من سنة مضت منذ تنصيب هشام قيراط على رأس لجنة تعيينات الحكام والمحصلة تكاد تتلخّص في أن سياسة المحاباة والمحسوبية وإكرام ذوي القربى ما زالت هي السائدة في تعيينات الرابطتين الأولى والثانية، لسنا هاهنا بمعرض الحديث عن محاباة الجمعيات على مستوى تعيينات الحكام الذي يديرون لقاءاتها فهذا موضوع قد لا تكفي صفحات هذه اليوميّة للإتيان على جانب يسير منها ولا يمكن طرقه دون تلمّس موطن الداء في كلّ موضع من الجسد المريض للكرة التونسيّة. ولكنّ ما نرمي إليه هو الأسلوب الذي انتهجه المشرف على التعيينات للمفاضلة بين حكام النخبة أنفسهم منذ حلوله على رأس لجنة التعيينات (بعد إزاحة الحبيب ناني) وكيفية مفاضلته بين الحكام وانتقائه للأسماء المرشحة لقائمة التفقد الدولية. ولعلّ الفريد في سياسة التعيينات مع قيراط هي أنها اتسمت بنزعتين جامحتين الأولى ذات سمة جهويّة جعلته يرجح الكفة بشكل صارخ لفائدة الحكام المنتمين إلى جهته من رابطتي سوسةوالمنستير على حساب حكام العاصمة على وجه أخصّ في مخطّط محكم لم يسبقه إليه أحد، والثانية ذات مسحة أبويّة أبدى من خلالها قيراط عجزه عن أن يخرج من جلباب الأب الحنون وعن أن يعامل ولده معاملة المسؤول الحريص على أن يعدل بين كافة الحكام دون ممايزة بينهم إلا على أساس العمل والخبرة والمقدرة. فأمّا النّزعة الجهويّة فإننا وإن نجد حرجا في الخوض فيها فلأشدّ ما يؤسفنا ثبات قيراط عليها بغير استحياء أمام تململ واضح في صفوف الحكام من مختلف الجهات لا سيما من العاصمة، وللتدليل على هذه النزعة الجهويّة لدى الرجل يكفي النظر إلى الأسماء المختارة ضمن قائمة التفقد الدوليّة. هذه الأخيرة تضمّ مكرم اللقام وعبد الحميد الحشفي (سوسة) وهيثم القصعي وأنيس بن حسن (المنستير) بالإضافة إلى هشام برك الله (رابطة قابس) من باب ذرّ الرماد على العيون، ولولا أنّ محمّد المدّب وقاسم بن ناصر كلاهما دوليّ سابق لكان قيراط أمل في حذفهما من قائمة التفقّد حتى يخلو الجوّ للأحبّة. وعلّنا لا نفشي سرّا هنا إذا ذكّرنا ان الحشفي والقصعي وبن حسن كانوا قبل مجيء قيراط للجنة التعيينات مجرّد حكام مغمورين لا نكاد نسمع أخبارهم إلا من خلال متابعة مباريات الرّابطة الثالثة ونادرا في الرابطة الثانية فكيف لأحدهم أن يحلم أن ينافس في يوم من الأيام اسماء كبن ناصر والجديدي والمدّب أو حتى بن حسانة على مقعد في القائمة الدوليّة. بالمناسبة لمن لا يعلم فقائمة التفقد الدولية قائمة تضبطها إدارة التحكيم في بداية كلّ موسم وينبغي أن تضمّ حكاما تتوفّر فيهم شروط أهمها الدّرجة التحكيمية (الدّرجة الأولى) وعدم تجاوز السنّ القصوى (السابعة والثلاثين) بالإضافة إلى إدارة عدد كاف من المباريات خلال الموسم الماضي (يتجاوز الأربعة مباريات) ومن الواضح أنّ هذا الشرط الأخير هو الشرط الوحيد الذي يبقى خارجا عن نطاق حكم النخبة الذي يأمل في الانضمام إلى القائمة، فالحكم غير المرضيّ عنه يقع حرمانه ببساطة من تحصيل هذا العدد من مباريات الرابطة الأولى حتى لا يكون مؤهلا لدخول قائمة التفقد وبالتالي منافسة أحبّة قيراط على الشارة الدوليّة، وبهذه الطريقة فإن قيراط نفسه هو الذي يحدّد بلا رقيب اختيار الوافدين الجدد على القائمة الدولية بمنحه التأشيرة الضروريّة لدخول قائمة التفقّد وهي رصيد المباريات في الرابطة الأولى (أكثر من 4). من جانب آخر فإنه يشترط على الحكم المتفقد كي يقترح إسمه للقائمة الدولية أن يكون أدار في الموسم المنتهي عددا من المباريات في الرابطة الأولى لا يقلّ عن 5 أو 6 مباريات، وهكذا لا يكفي أن قيراط هو الذي ضبط بشكل مباشر أسماء قائمة التفقّد لهذا الموسم لكنه سيكون له أن يقصي من ضمن الحكام المتفقدين من يشاء من خلال حرمانه من رصيد المباريات المؤهل لبسط ملفّه أمام المكتب الجامعي، كلّ هذا زيادة على أن قيراط هو الذي يوجّه اختيار المكتب الجامعي بشكل غير مباشر من خلال أعداد التفقّد ناهيك إذا كان يعيّن أحبته للمباريات الخفيفة حتى يحصلوا على أفضل الأعداد فيما يعيّن غيرهم للمباريات الساخنة التي ترتفع فيها نسبة الإخفاق أو الخطإ. لكنّ الأخطر من ذلك أنه كثيرا ما يعيّن لهذه المباريات حكام غير معنييّن بالقائمة الدولية أصلا مثلما فعل في مباراة باجة والكاف حيث عيّن وسيم بن صالح وفي مباراة النجم الساحلي والنادي الصفاقسي حيث عيّن مراد بن حمزة وكلا الحكمين من تونس. والحقّ أن قيراط قد أوجد في خريطته لحكام النخبة من العاصمة مكانين لا ثالث لهما: -مكان في الرابطة الأولى لمن هو خارج قائمة التفقد الدوليّة وهذا حال بن صالح والحرابي ومراد بن حمزة (تجاوزوا السنّ القانونيّ القصوى)، وهؤلاء أكباش الفداء يعيّنهم من باب ضرب عصفورين بحجر واحد فمن جهة يخمد الأصوات المنادية بإعادة الاعتبار لحكام العاصمة ومن جهة أخرى يضرب بهؤلاء الحكام زملاءهم الشبان من نفس الرابطة على اعتبار أن العاصمة تكون أخذت حظها من تعيينات الرابطة الأولى بتعيين هؤلاء الثلاثة غير المعنيين بالقائمة -مكان في قائمة التفقد الدولية ولكن خارج مباريات الرابطة الأولى لبن ناصر والمدّب الذين أصبحنا نراهما على خلاف المألوف في مباريات الرابطة الثانية وحتى الثالثة، ولا شكّ ان قيراط لن يعدم المسوغات لحرمان الاثنين من تحصيل العدد الأدنى من مباريات الرابطة الأولى حتى يمكنه إلقاء عصاه مع جملة المتنافسين ناهيك ونحن نشارف على نهاية المرحلة الأولى من البطولة. وهنا يجوز أن نتساءل عمّا فعله قيراط بباقي حكام النخبة من العاصمة الذين تتوفر فيهم الشروط الموضوعيّة لدخول قائمة التفقد من سنّ ودرجة تحكيميّة (أي من لم يمكّنهم قيراط من الرصيد اللازم من مباريات الرابطة الأولى وإن كانوا جديرين بها)، الحكام الأقرب لهذه المنطقة قرّر قيراط أن يحرّم عليهم عتبة الرابطة الأولى إلا في النادر النادر حتى لا يطمحوا لدخول قائمة التفقد في الموسم المقبل ثمّ اختار للمميّزين منهم أحد عقابين: -الأوّل إلقاؤهم في المباريات الساخنة من الرابطتين الثانية والثالثة التي سيجد الحكم نفسه في نهايتها معتدى عليه نتيجة لنزاهته أو متهما بمحاباة الفريق المحلّي خوفا على نفسه، وهكذا يسهل على قيراط إزاحته بداعي تظلم الفريقين من أدائه. وبما أن المسكين فشل في إدارة مباراة في الأقسام السفلى فكيف له أن يطمح أو يطالب بتعيين في الرابطة الأولى وهي حكر على المدلّلين -الثاني أن يرمي الحكم في مباراة محفوفة بالمخاطر ويبتليه إما بحكمين مساعدين مستجدّين يصعب الانسجام معهما أو بمراقب من النوع الصارم أو آخر من دائرته المقربة فيوصيه بالحكم كلّ خير حتى يضع بين يديه في الغد عددا متوسّطا يسهل به تجميد الحكم المسكين إمّا علنا أو سرّا.