تعتبر كتابات عالم الاجتماع الالماني «ماكس فبير» منذ حوالي القرن هي المرجع الرئيسي في الأدبيات الغربية حول موضوع الشرعية والسلطة. وقد ضبط «ماكس فبير» ثلاثة مصادر؛ فماهي هذه المصادر؟ المصدرالأول هو التقاليد بمعنى المعتقدات والعادات والأعراف المتوارثة التي تحدّد «الأحقية» بالسلطة؛ ويدخل في هذا المصدر المعتقدات الدينية، وهو المصدر التقليدي للشرعية(1). وتنبثق عن ذلك سلطة تقليدية وهي التي تعتقد أن نظمها ما هي إلا امتداد لنظم كانت موجودة في الزمن السابق أوأن رئيسها تقلد منصبه بموجب مؤهلات معينة كانت شرعية في الزمن الماضي أو أن الأوامرالتي يصدرها مدعومة بأوامركانت ماثلة في الزمن السابق ومتفق على التصرف بموجبها. وهذا يعني أن الجماعة التي تخضع للسلطة التقليدية تطيع أوامرسلطتها بسبب شرعيتها التاريخية أوبسبب تعودها منذ الزمن القديم على إطاعة مثل هذه الأوامر (2).المصدرالثاني، الزعامة الملهمة أو ما يسميه «ماكس فبير» ب«الكاريزما» فيرتبط بشخصية الزعيم، سواء أكان في السلطة بالفعل أومتطلعا إليها ومصدرالولاء والطاعة من الأتباع أو المحكومين لهذا الزعيم هوإعجابهم الشديد بصفاته وأعماله، وهي التي تجعله مصدرجذب وحبّ وهيبة واحترام ؛ إنها شرعية آنية ومرتبط بشخصية حاكم بعينه ولا يمكن توريثه، وظاهرة الزعامة الكاريزمية هي ظاهرة استثنائية في حياة أي مجتمع (3). المصدر الثالث والأخير، هو العقلانية القانونية ويستند هذا النوع من الشرعية على قواعد مقنّنة تحدّد واجبات وحقوق منصب الحاكم ومساعديه، وطريقة ملء المناصب وإخلائها، وانتقال السلطة وتداولها وممارستها. ويوازي ذلك كله ويتداخل معه تقنين حقوق وواجبات المحكومين- وهم المواطنون أوالرعايا- في علاقتهم بالسلطة الشرعية.إن هذا التنميط لمصادرالشرعية هونمط مثالي وأنه في الواقع السياسي المعاش تختلط هذه المصادرالثلاثة للشرعية ببعضها البعض بدرجات وتنويعات متباينة.إن هذه التوطئة النظرية لمقاربة عالم الاجتماع الألماني «ماكس فبير» لمصادر الشرعية على أهميتها ورهانيتها هي مدخل بالنسبة لبعض النخب التونسية أن تتعمق في التفكير وأن لا تتسرع في إصدار الأحكام وأن تنفلت في التصريحات دون تروّ وتغييب للبعد الاستشرافي التي تحصر الشرعية في مصدر دون آخر أو تفضيل مصدرعلى آخر؛ فمن المخاطرالتي تهدد بلادنا في هذه المرحلة هي اعادة انتاج الهيمنة حسب استعمال عالم الاجتماع الفرنسي «بيار بورديو» عبر مختلف القوى التي تريد أن تتحكم في هذا المجتمع.فالشرعية الثوريّة تتطلب فتح أقواس حول حياة أغلب التونسيين؛ فهل أن التونسي متفائل على الأقل بالحد الأدنى؟ أم أن الحدّ الأدنى في حدّ ذاته موجود في زجاجة قابلة للانفجارأو للانكماش في لحظة من لحظات الصمت التي تنفلت حين يدقّ ناقوس البقاء بالمعنى"الدرويني" نظرا للتفاوت الكبيربين أوضاع التونسيين وقد ازداد ذلك من خلال تدهورالمقدرة الشرائية. -3 سعد الدين إبراهيم، "مصادرالشرعية في أنظمة الحكم العربية،" المستقبل العربي، السنة 6، العدد 62 (افريل 1984) ● باحث في علم الاجتماع 2 - شبكة النبأ المعلوماتية - الأحد 11 مارس/2007