بقلم: توفيق بن رمضان-لست من القوميّين ولا القومجيّين، بل أنا لي موقف واضح من الأخطاء والمصائب التي تسبّب فيها القوميّون، فقد جرّوا على أوطاننا الويلات والمصائب، لكن من باب الإنصاف هم لا يتحمّلون المسؤولية لوحدهم، بل التآمرالصهيوغربي له نصيب الأسد في كلّ ما حصل من كوارث في منطقتنا منذ أكثرمن نصف قرن، هذا إن لم نحتسب فترة الاحتلال الغربي، لكن ورغم كلّ الاحتقان والنقمة الشعبيّة على الأنظمة التي لم تضمن الحرّيات ولم تحترم حقوق الإنسان في مجملها، ورغم كلّ التسويغات وربّما التعلات، فلا يمكن القبول بهذا الشكل من التغييرالدموي المدمّرللأوطان والمشرّد للشعوب والمقتّل للأنفس، كما حصل في ليبيا وكما هو متواصل منذ أكثرمن سنتين في الشعب والوطن السوري. ولعلم الجميع حكّام ومحكومين، أنّ من أسباب تخلّفنا ومصائبنا هو عدم حلّ مشكلة التداول على السلطة بشكل سلس وسلمي مثل ما حصل عند الدّول الغربية، وهذا مكمن قوّة الغرب وسبب تفوّقه وتقدّمه وازدهاره، إنّه التوافق في وضع حلول ناجعة وفعّالة للمشكلة والمصيبة التي تعاني منها الإنسانية منذ آلاف السنين، وهي مشكلة التداول على السلطة بشكل سلمي، فقد اتّفقوا وتعاقدوا وتعهّدوا في دول الغرب على حلّ جذري يلتزم به الجميع في طريقة التداول وانتقال السلطة بشكل سلمي عبرانتخابات ديمقراطية نزيهة وشفّافة تجنّبهم تدمير الأوطان وتقتيل الشعوب. ورغم أنّ مثقّفينا المبهورين بالغرب وخاصة منهم المقلّدين له تقليدا أعمى في كلّ الأمور، تجدهم لا يطبّقون هذه المسألة إذا وصلوا للسلطة وتمكّنوا من الحكم، أي لا يقلّدون الغرب في طريقتهم في الانتقال السلمي للسلطة، ورغم أنّنا مسلمون في أغلبنا والله يحثنا في كتابه الكريم على الشورى حيث يقول: "وأمرهم شورى بينهم" ناهيك عن الديمقراطية الغربيّة التي يتشدّق بها أغلب النخب العلمانية دون تبنّيها والرضى بنتائجها إذا كانوا هم الخاسرين، والتي مكّنت الغرب من القفز والتفوّق على الحضارة العربية الإسلامية، فتفوّق الغرب مردّه هذا الحلّ السلمي في التداول على السلطة مع العدل والإنصاف واحترام المواطن، لكن هذا ما لم يفعله العلمانيون واللائكيون الذين استلموا الحكم بعد الاستقلال، ومن المفارقات الغريبة والعجيبة أنّهم يستوردون كل شيء وهم مبهورون بكلّ شيء من الغرب إلاّ أنّهم عندما تصل الحكاية للحريات والتعددية والديمقراطية يصيبهم العمى والصمم، فقد وجد الغرب حلولا سلمية وجذرية لمشكلة التداول على السلطة وجنّب أوطانه مصائب التدمير والحروب والصراعات في كلّ مناسبة تحوّل أو إزاحة حاكم لكن حكّامنا ونخبنا السياسية لم يقتفوا أثرهم في هذه المسألة. ومن دلائل ازدواجية المعاييروالكيل بمكيالين بل من دلائل التآمر والعمالة اجتهاد حكّام الخليج في إيجاد حل سلمي في اليمن وتطويق المشكلة بأقل الخسائروالأضرار، ، فلماذا عملوا على التهدئة في اليمن ودفعوا نحوالتصعيد وألّبوا المعارضة وسلّحوها في سوريا؟ وهل سيعتبركل الحكّام بما فيهم حكام الخليج في الحاضروالمستقبل ممّا حصل في ليبيا وممّا هو حاصل في سوريا، فهل سيستوعبون الدرس من تدميرالأوطان وإزهاق الأنفس مع كلّ تحول وانتقال للسلطة من حاكم إلى آخر؟ المصيبة والكارثة والطامة الكبرى في أوطاننا العربية أنّه كلّ في كل مناسبة تغييرحاكم يقتلون الشعوب ويعودون بالأوطان ثلاثين سنة إلى الوراء، وفي كلّ مناسبة تحول للسلطة والحكم ينتشرالتدميروالخراب والتقتيل والاستنزاف للموارد والطاقات وتزهق فيها الأرواح وتعطل فيها الحياة في المدارس والمؤسسات، وهذا كلّه يستنزف الأوطان والشعوب ويصب في مصلحة أعداء الأمة. وأعلنها لكل العالم، أنا لست من مؤيّدي الرئيس بشّار ونظامه، ولكنّني أقول لا يمكن القبول بهذه الطريقة في التغييرالمدمّرة للأوطان والطاقات والمفقدة للأرواح والمهلكة للممتلكات والمؤسسات والساحقة للأطفال الأبرياء والمرمّلة للنساء والهاتكة للأعراض، فمتى يوضع حدّا لهذه الفتنة ومتى يكفّون عن التحريض والتأليب؟ وهل من رجال شرفاء وعقلاء يوقفون هذه المحرقة في سوريا؟