اختلفت آراء نواب المجلس الوطني التأسيسي المستقلين والمعارضين من خارج "الترويكا" الحاكمة، بين معارض للحكومة الجديدة، ومتحفظ عليها، ومترقب لبرنامجها السياسي والاقتصادي والأمني والاجتماعي الذي على أساسه سيقع التصويت. ولاستقراء نوايا التصويت قبل انعقاد الجلسة العامة للمجلس المخصصة لمنح الثقة للحكومة الجديدة استفسرت "الصباح" عددا من النواب، وتبينت أن هناك من حسم أمره بالرفض وهناك من عبّر عن عدم قدرته على معرفة هل سيمنحها الثقة أم لا قبل الاطلاع على برنامجها، في حين أبدى غيرهم التحفظ. وينتظر أن تنعقد الجلسة العامة الحاسمة في بداية الاسبوع وفق ما أكّدته النائبة كريمة سويد مساعدة رئيس المجلس المكلفة بالإعلام على إثر اجتماع مكتب المجلس الملتئم صباح أمس بقصر باردو. اعتراض فسر النواب الرافضون للحكومة الجديدة أسباب رفضهم بعديد البراهين، واعتبروا ان الرفض ليس لمجرد الرفض. وفي هذا الصدد عبّر النائب الناصر البراهمي (مستقل) عن أسفه الشديد ل"تلهية الشعب التونسي طيلة أشهر بموضوع التحوير الوزاري الذي ثبت للمتابع للشأن السياسي أن الهدف من التمطيط كان من أجل ابعاد الشعب عن مشاكله الأساسية ومشاغله الحقيقية وكانت الحصيلة إعادة حكومة "ترويكا" ثانية لكنها أضعف من الأولى نظرا لما يشق الأطراف المكونة لها من خلافات". ويقول البراهيمي إنه "لا يرى الصيغة التي تم التوصل إليها هي الحل وسيصوت ضد الحكومة لأن كل المؤشرات تدل على أنها دون برنامج جدي لأن ما طغى على المفاوضات التي تمت حولها هو تقاسم الحقائب الوزارية والمحاصصة الحزبية الممجوجة وليس البرنامج في حدّ ذاته". وفي نفس السياق يقول النائب ابراهيم القصاص (نداء تونس) إنه "لن يصوت على الحكومة الجديدة" لأنها على حد تعبيره "تحمل العناوين الكبرى للفشل"، ولأنه لا يعاود "تجربة أشخاص وقعت تجربتهم سابقا والمؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين". وأضاف أنه يرى أن أقوى حكومة في تاريخ البشرية لا تستطيع انجاز برنامج حكومي في ظرف وجيز كما فعل العريض.. وقال ان المطلوب من الحكومة الآن هو المرور بتونس إلى انتخابات نزيهة وشفافة في أقرب الآجال وحل المشاكل الأمنية العالقة لأنه دون تحقيق أمن حيادي لا يمكن تحقيق أي تقدم. عدم الحسم لم يكشف عدد من النواب عن نوايا التصويت، وقالوا إن الحسم يتطلب الرجوع إلى احزابهم وكتلهم النيابية بعد الحوار حول الموضوع. وفي هذا الصدد ذكر النائب محمد قحبيش (التحالف الديمقراطي والنائب عن الكتلة الديمقراطية) أن حزبه سيجتمع ليقدم قراءة للحكومة المعروضة على النواب وبعد ذلك "سيحدد القرار الملائم الذي يخدم المرحلة ومصلحة البلاد. وبعد الاجتماع مع الحزب سيقع الاجتماع داخل الكتلة الديمقراطية للتنسيق حول نوايا التصويت.. وفي صورة ما إذا تطلبت الحكومة الجديدة الدعم سيدعمونها وفي صورة حاجتها إلى التصويب سيصوبونها". وأضاف: "إننا نؤمن بأننا كنواب مكلفون بأمانة وهي مراقبة الحكومة وإدارة شأن البلاد لذلك يجب أن نعمل بأمانة ودون مزايدات وفي الاتجاه الصائب لفائدة المصلحة الوطنية العليا للبلاد". وأفاد النائب كريم كريفة (عن حزب المبادرة) أنه لم يحسم بعد حول نية التصويت للحكومة، ولم يتحاور مع حزبه حول هذه المسألة، لكن هناك أسماء تضمنتها تركيبة الحكومة لا تشجع على المصادقة عليها -وتحفظ النائب عن ذكرها- وقال إنه يحترز عليها لأنه يعتبر أنه "كان يجب ألا تكون بعض الأسماء في الحكومة الجديدة بعد أن عبرت عن فشلها الذريع في الحكومة السابقة لكن في المقابل هناك أسماء يشهد لها بالحياد". وفسر كريفة أن المشكل الأساسي ليس في الأشخاص في حد ذاتهم بل في برنامج الحكومة، والنقاط التي ستطرح فيه ومدى الالتزام بها.. إذ من المفروض إعطاء الأولوية للأمن في مفهومه العام وللأمن الغذائي، وتأمين كل الظروف الملائمة للمرور الى الانتخابات القادمة. أما النائب صالح شعيب (غير منتم لكتلة برلمانية وهو الناطق الرسمي للاتحاد الوطني الحر) فإنه يوضح أن العملية لا تتمثل في المصادقة على الأشخاص وإنما على برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي للحكومة، و"هذا البرنامج غير معروف بالنسبة للنواب بعد، كما أن برنامج الحكومة وحده لا يكفي بل ينبغي معرفة برنامج كل وزير في وزارته".. وذكر أنّه في حيرة من أمر الحكومة الجديدة ويتساءل "لماذا عندما قدم حمادي الجبالي مقترحه بتكوين حكومة لا تختلف في التصور عن التي توصل إليها علي العريض، جوبه بالرفض".. وذكر أن حكومة العريض قيل إن فيها عددا كبيرا من المستقلين التكنوقراط لكنه لا يؤمن باستقلالية الاشخاص خاصة إذا كان الأمر يتعلق بالنخبة المثقفة.. وبالتالي فإن الجميع لهم انتماءات سياسية غير معلنة.. وذكر أنه لا يتصور أن الوزراء المقترحين ليست لهم قرابة فكرية مع أحزاب "الترويكا". وعبّر النائب عن رغبته في لو كان رئيس الحكومة نفسه مستقلا عن جميع الأحزاب السياسية، وبين أنه "لا يرى في علي العريض الشخص المناسب لإنقاذ البلاد من المشاكل التي أغرقتها لأنه لم ينجح في مهمته كوزير للداخلية، وبالتالي لا ينتظر أن يحقق ايجابيات خارقة في المستقبل لأن الحكومة تطغى عليها النهضة وأخواتها".. ويعتبر النائب الطاهر هميلة (نائب مستقل وعن حزب الاقلاع نحو المستقبل) أن الموقف من الحكومة الجديدة لا يمكن تحديده إلا بعد الاستماع إلى رئيسها ومعرفة برنامج عمله وذلك رغم بعض التحفظات على بعض الوزراء الذين فشلوا في مهامهم، ولكن نقلوا إلى خطط أخرى. وأضاف ان الحكومة الجديدة "إذا التزمت بضبط مسألة العدل وأتمت إرساء الهيئة المستقلة للإشراف على القضاء وراجعت ملفات الموقوفين دون سبب وأبرزت من التعهدات ما يطمئن النفس فإنه سيدعمها تشجيعا لهذا المسار أما إذا بقيت دار لقمان على حالها وإذا بقي رئيس الحكومة على تردده وبقي رئيس حزب النهضة يتدخل في شؤون الحكومة فهذا سيجبره على عدم التصويت على منحها الثقة".. وبين ان الأهمية لا تكون في منح الثقة من عدمه بقدر ما تتمثل في برنامج العمل والالتزامات. وذكر النائب محمد الطاهر الالاهي (كتلة الحرية والكرامة) أن نوايا التصويت لم تتحدد بعد وستعقد كتلته اجتماعا غدا الاثنين لتحدد موقفها النهائي من هذه الحكومة ومن إمكانية تزكيتها.. وأوضح النائب قبل ذلك أن الكتلة ساهمت في بلورة برنامج هذه الحكومة خلال جلسات التفاوض معها وقدمت اضافة نوعية خاصة فيما يتعلق بتحييد وزارات السيادة.. لكن بعد خروجهم من المفاوضات لم يقع تحييد هذه الوزارات على النحو المطلوب خاصة في وزارة الداخلية إذ بقي فيها كاتب دولة ينتمي إلى حزب سياسي. كما تعتبر كتلة الحرية والكرامة وزارة المالية وزارة سيادة وبقيت هذه الوزارة في يد شخص ينتمي إلى حزب سياسي.. وأضاف الالاهي أنه "بعد خروج الكتلة من المفاوضات وقع الالتفاف على بعض التوصيات خاصة منها عدم ادراج أسماء وزراء في الحكومة الجديدة ممن كان أداؤهم في الحكومة السابقة ضعيفا. بل وقع العكس وتم تدوير وزير التشغيل ليصبح وزيرا للتجارة وأخذ مكانه في التشغيل ابن اخته وهو ما يفسر أنه سيضع يديه على وزارتين". وأضاف الالاهي أنه عند اعداد المذكرة السياسية للحكومة الجديدة تم تبني مطالب كتلته وهي معالجة المشاكل الامنية والحد من غلاء المعيشة والتخفيض في الاسعار وتفعيل حوار وطني يشمل جميع الشركاء دون استثناء لخلق مناخ ملائم لانتخابات نهاية السنة الجارية وخلق مواطن الشغل بالجهات الداخلية والتدخل العاجل للقطاع العام دون انتظار القطاع الخاص. تحفظ كشف النائب مبروك الحريزي (كتلة الوفاء للثورة) أن كتلته مبدئيا ستتحفظ على المصادقة على الحكومة، وذكر أنه من خلال مشاركتهم في المفاوضات حول تشكيل الحكومة أصبحت لهم فكرة حول التوجهات العامة للحكومة الجديدة وهم يعتبرونها "سيرا نحو الاذعان إلى تجاوز مطالب الثورة". كما أن الحكومة ركزت على الهوامش ونسيت على حدّ تأكيده الاستحقاقات الشعبية للثورة، حيث كانت المفاوضات على أساس السير نحو الانتخابات، بينما يختلف منطق الكتلة لان نوابها يريدون توفير الأرضية الملائمة لهذه الانتخابات وهي استكمال أهداف الثورة من محاسبة، وكشف أرشيف البوليس السياسي وإلغاء قانون الارهاب والالتفات إلى المسائل المعيشية المستعجلة للمواطن. وأضاف الحريزي قائلا: "إننا نعتبر أن تحييد وزارات السيادة سيؤدي إلى وزراء غير قادرين على تسطير برنامج أو تنفيذه لأنهم غير محميين سياسيا.. إضافة إلى منطق المحاصصة الذي غلب على التركيبة، ورغم ذلك فإننا نؤمن بضرورة إعطاء مهلة لهذه الحكومة وتوفير المناخ السياسي الملائم لعملها وإن دورهم في المعارضة سيكون منبها وموجها".