ينظم النادي الثقافي الطاهر الحدّاد هذه الايام معرض الصور الفوتوغرافية " نساء بلادي.. نساء ونصف" للفنانة دليلة اليعقوبي وذلك على هامش الاحتفال باليوم العالمي للمرأة... والمتأمل في هذا المعرض يكتشف بمنتهى السهولة أن الفنانة الفوتوغرافية دليلة اليعقوبي قد سلطت الأضواء على قائمة طويلة نسبيا تضم نساء يَحفل بهن تاريخنا التونسي.. أو بالأحرى تَارِيخ المَرأة التُّونسية بِرُموز من النسوة اقتَرنَ ذكرهُنَّ بالبِنَاء والتَّأسِيس(عليسة مؤسسة قرطاج) وبرفض الضيم وبإباء مَا ترى فيه النِّساء حَطّا من كرامتهنَّ إزَاء أنفسهنّ وبطلب العلم والتَّفوّق فيه وبالعطاء لفائدة الفئات الضعيفة وبتحدّي أشكال القهر والتسلّط وبالانخراط في العمل الوطني النضالي.. وبالمعاناة الاجتماعية في أسمى صورها... المرأة العاملة في الحقل.. وفي المصنع.. كما لم تغفل عن بعض النماذج النسائية التي تكابد وتعاني في صمت وبعيدا عن الصخب والضوضاء والأضواء.. ومن المرجّح أَنْ تكون هذه الرموز على قلّتها فاعلة في تَعدِيل صورَة واقع اقْترَن في أغلب فترات تاريخه بإقصاء النِّساء وبفرض العزلة عليهنّ وبتهميش ما كنّ يبذلنه من جهود مضنية في سبيل مساعدة عائلاتهن وفي حمل ذوي العقول النيّرة على الوعي بحقوقهن وعلى المطالبة بتحريرهنّ من كل أشكال الظلم والإقصاء خاصة في فترات جرّدت خلالها المرأة التّونسية من كلّ أسلحة المقاومة بفعل قرون من الجهل والانحطاط وعقود من الاستعمار الغَاشم... والمتأمل في هذا المعرض يكتشف الوجه الآخر للأنثى التونسية التي تخفي خلف جمالها شراسة النضال وقوة الصبر والتحمل ورباطة الجأش على مدى التاريخ.. المرأة التي لم تستسلم ولم تقهر في أزمنة كثيرة عندما عز فيها لسان لا يخشى قول الحق في وجه سلطان جائر.. قالت كلمتها ودافعت عنها.. وفي أزمنة كانت فيها من أصحاب الكلمة فدفعت الثمن غاليا وكانت عرضة للسجن والتعذيب والنفي والتشويه. هذه المرأة التي قبلت دفع فاتورة النضال وعاشت سنوات عصيبة من حياتها وعلى مر التاريخ في تحدي الظلم والاستبداد وقهر الجبروت الذي خرب الأرض وهمشها طويلا... المرأة التونسية في هذا المعرض من خلال كاميرا دليلة اليعقوبي.. هي أم إحداث المنعرجات في حياة الناس والمجتمع منذ فجر تاريخ تونس إلى حدود 14 جانفي تاريخ الثورة التونسية... فهي الأم التي دفعت بأبنائها في تونس للخروج والإستشهاد... وهي المرأة التونسية أم الجندي التونسي التي منعته من إطلاق النار على مواطنه وأخيه التونسي وأذنته بالإستشهاد في سبيل الكرامة والحرية، وهي التي وقفت مع المتظاهرين وخرجت من دارها تهتف وتزغرد وتدفع الشباب إلى الأمام وتزوده بالقوة المعنوية وتدفع به في إتجاه الكرامة. وهي العاملة التي ثارت في كل مواطن العمل مثلها مثل باقي أفراد المجتمع.. وهي الأخت التي دفعت بأخيها للخروج من الدار ومواجهة الموت وخرجت معه تنشد الحرية والعزة والكرامة. فاستشهد شقيقها واغتصبت من طرف الطغاة المجرمين مما زاد ثورة 14جانفي لهيبا ودفعها إلى اللارجوع لتصبح ثورة كرامة قبل كل شيء. وفي هذا المعرض تتحول بك كاميرا دليلة اليعقوبي لتكتشف وجوها اخرى للمرأة: فهي السياسية المثقفة، والصحفية اللامعة، والمحامية الهادئة الرصينة التي تعطي المثل والقدوة في الصبر والتجلد والتحلي بالحكمة والنضج على غرار بسمة أرملة الشهيد شكري بلعيد، والقاضية والطبيبة والعاملة والموظفة كلهن واجهن النار وواجهن الإغتصاب بأسنانهن وأظافرهن وأقلامهن ولقنّ مغتصبي الحرية والكرامة الدرس... إنها المرأة التي ستبقى ولادة لتصنح ملاحم أخرى لاتنتهي.... دليلة اليعقوبي تقوم من خلال معرض"نساء بلادي.. نساء ونصف" بجولة سندبادية عبر كاميرا آلتها الفوتوغرافية إلى أعماق التاريخ لتقدم لزائرها باقة من أجمل وأروع نسائنا التونسيات...