لا نذيع سرا إذا قلنا أن أحد الملفات الحارقة والتي باتت تشكل هذه الأيام مصدر انشغال كبير للتونسيين بمختلف انتماءاتهم وتوجهاتهم السياسية والحزبية ملف الشبان التونسيين الذين يذهبون "للجهاد" في سوريا الشقيقة، ثم تأتينا الأنباء معلنة عن سقوط بعضهم بين الفينة والأخرى قتلى في ساحة معركة هي في الواقع ليست معركتهم، وحرب هي بالأساس ليست حربهم. ونقول مصدر انشغال لاعتقادنا -بل ليقيننا التام- بأن الغالبية العظمى من هؤلاء الشبان لم يختاروا بتلقائية واقتناع هذا المصير وإنما وقع التغرير بهم وكانوا ضحية عملية غسل دماغ، عبر العزف على وتر الحس الديني العميق لديهم، للزج بهم وقودا لحرب يخوضونها بالوكالة، ليس دفاعا عن تونس واستقلالها، بل لخدمة أغراض ومصالح جهات لا تبخل ببذل الأموال الطائلة لتحقيق طموحاتها وأهدافها التي قد لا تلتقي مع طموحات وأهداف ومصالح بلادنا. وفي مقدمة هذه الجهات -ونقولها صراحة- دولة خليجية تغذي طموحا منقطع النظير في الاضطلاع بأدوار تفوق حجمها الجغرافي والسياسي في المنطقة العربية والتي تشير مصادر متعددة إلى قيامها بتخصيص تمويلات بنحو ثلاثة آلاف دولار عن كل شاب تونسي ينخرط في القتال إلى جانب قوات المعارضة في سوريا.. هذا إلى جانب جهات أخرى تونسية دما ولحما، لكنها غير ذلك عاطفيا ومعنويا، لم تجد حرجا في التمعش من "تجارة الموت" من خلال تولي عمليات تجنيد هؤلاء "الجهاديين" الشبان والإشراف بالتنفيذ والمتابعة على عمليات نقلهم حتى إيصالهم إلى هدفهم النهائي، وهي بذلك ترتكب جريمة كبرى في حق هذا الوطن وأبنائه. قد يكون إطلاقنا صيحة الفزع هذه قد تأخر نسبيا غير أنه لا بدّ من القول أن إيلاء هذا الملف الاهتمام اللازم بات اليوم لا يحتمل أي تأجيل خصوصا والأرقام تفيد بأن عدد "الجهاديين" التونسيين في سوريا قد تجاوز الثلاثة آلاف وهو رقم مرشح للارتفاع أكثر ما لم تسارع السلطات في بلادنا باتخاذ الاجراءات الحازمة المطلوبة لوقف النزيف. إننا وفي الوقت الذي نثمن فيه إعلان رئيس الحكومة علي العريض أخيرا تعهده بمتابعة هذه القضية الحارقة من زواياها الإنسانية والاجتماعية وكذلك الأمنية باعتبارها تهديدا للأمن القومي، نشدد على الضرورة القصوى للإسراع في كشف الجهات المتورطة مباشرة في إرسال أبنائنا إلى سوريا لقتال القوات النظامية هناك، ومحاسبتها بالصرامة المطلوبة على صنيعها الذي يرقى في اعتقادنا إلى خيانة الوطن.