ما معنى ان نقول اللهجة الموسيقية التونسية؟ وهل من علاقة بين اللهجة ومسالة الهوية الموسيقية؟ وإذا كان أمر هذه العلاقة واردا آو قائما بالضرورة فهل ان خارطة الهوية يجب أن تنطلق من مفهوم العرقيات أم انه يمكن أن تكون المقومات الموسيقية في ذاتها عناصر كافية لتحديد خصوصيات الهوية الموسيقية ومن ثمة اللهجة الموسيقية لمختلف الشعوب دون الدخول في تشعبات مسائل الهوية في مجال اللغة والعرق والتاريخ والحضارة والثقافة وغيرها؟ هل يمكن ان نقول ان الحديث عن لهجة موسيقية واحدة داخل قطر واحد متنوع في إطاره الاجتماعي والثقافي هو ضرب من التجني على ما يمكن أن تتوفر في ذلك القطر من لهجات موسيقية مختلفة تشهد على التنوع الذي قد نقصيه عن قصد او عن غير قصد تحت عناوين مختلفة لتيارات إيديولوجية متصارعة.؟ هذا بعض ما طرحه السيد فراس الطرابلسي في مداخلته عن اللهجة الموسيقية في تونس خلال الندوة التي نظمتها جمعية المعهد الرشيدي والجمعية التونسية للبحث في الموسيقى والعلوم الموسيقية حول"اللهجة الموسيقية ومفهومها" مؤخرا وافتتحها الدكتور مراد الصقلي واعدا بالمحافظة على تقليد المعهد الرشيدي في تقديم المحاضرات العلمية وربط الصلة بين الجانبين العلمي الأكاديمي والمهني للموسيقي من اجل مزيد النهوض بهذا القطاع. تضمن برنامج الندوة سلسلة من الجلسات العلمية حول أفاق الموسيقولوجيا واللهجة الموسيقية واللهجة وعناصرها المكونة. وحاضر خلالها كل من الأساتذة سمير بشة وأمال قرمازي وفراس الطرابلسي والأسعد الزواري وعائدة النياطي ورفقة بالطيفة وبسام الطرابلسي وباسم الماجري... اللهجة والهوية والهوية الموسيقية إمكانية وجود علاقة تلازم بين اللهجة والهوية وعلاقة هذه الأخيرة بالموسيقى كانت من أهم محاور الندوة وقد تبين من خلال مداخلة الأستاذ فراس الطرابلسي وجود شقين احدهما متمسك بأبعاد الهوية بما هي نتاج حضاري متكامل تمثّل فيه الموسيقى عنصرا ينبثق من رحمها وينطبع بالضرورة بتحولاتها وبين من يرى الهوية الموسيقية تتحدد من خلال خصوصيات الخطاب الموسيقي في حد ذاته. وهو إشكال مفتوح المدى ولا يمكن الحسم في أمره ما دام العقل يعيش تجاذبات وصراعات تتحكم في توجيهها النخب السياسة وفق أجندات وإيديولوجيات تسير بمعية استراتيجيات تربوية وإعلامية تسعى لتكريس الصراع والإغراق في الفردانية المتفتتة لمفاهيم. خصوصيات وعناصر فنية مشتركة وعن ملامح اللهجة والأنماط الموسيقية المنتشرة في تونس بمختلف تعبيراتها كالمتقنة والشعبية والطرائقية والآلاتية والغنائية والمتميزة بثراء وتباين كبيرين وفي إجابة عن مدى إسهام العناصر الموسيقية المتباينة في تحديد ملامحها وتمييزها عن بعضها البعض حاضرت الأستاذة عايدة النياطي وقالت : " من الضروري الإشارة إلى انه وعلى الرغم من أهمية هذه العناصر فان مفهوم اللهجة الموسيقية يتغير ويتجاوز التقيد بممارسة من النظم اللحنية والإيقاعية المقننة ليحمل في طياته أبعادا فكرية واجتماعية (أنماط عيش) وسلوكية في تفاعل وتواصل وتقارب وتقاطع مع الموروث والمكتسب والمستحدث." فالمالوف والموسيقى الشعبية والموسيقى الطرائقية والأغنية والتأليف الآلية أنماط موسيقية كونت الإنتاج الموسيقي التونسي وجعلت هذا الرصيد يكتشف مقومات موسيقية فنية وجمالية وتعبيرية على امتداد فترات ليتبناها تارة ويقصيها طورا آخر حسب ديناميكية التفاعل الثقافي وميولات المؤلفين الموسيقيين وتباين تكوينهم ومرجعياتهم زد على ذلك الانفتاح على العالم وظهور الوسائل التكنولوجية الحديثة التي ساهمت في نشر ثقافات وهيمنتها رغم عدم توافقها والموروث الثقافي والتاريخي للبلد المتلقي وإذا ما أردنا النظر في ملامح الهوية الموسيقية التونسية سنلمس تلك العلاقة التفاعلية بين الماضي والحاضر، بين الثابت والمتغير. فتشكلها وبلورتها مرتبط بمجموعة من العناصر المميزة لها مما يجعلها تميزعن غيرها ولو تباينت أهميتها. هل للموسيقى تاريخ؟ اختلاف اللهجات الموسيقية ومحدداتها ومشروعية السؤال في هذا المبحث بالذات تناوله الأستاذ سمير بشة شرحا وتحليلا على المستوى النظري والمنهجي وإشكاليات التصنيف وتناول المشتركات العامة كالصوت الموسيقي والمسافة ودرجة الأساس والإيقاع والتكرار واللحن والغناء والمنظومة والشكل وعدم الثبات والتقبل والآلة والفرق الموسيقية وتقنية العزف والمقام والارتجال والهوية والتاريخ متسائلا ان كان للموسيقى تاريخ؟ ومن سيحدد اللهجة ومن باستطاعته الفصل في عملية ضبطها وكيفية تعيينها. وقال:"ان كان الحديث عن الموسيقى من حيث إنها سماع وفن موجه إلى جميع الفئات باختلاف انتماءاتهم الثقافية والاجتماعية والفكرية فان قضية اللهجة المتمثلة في وضع محددات اختلافيه للمكونات الموسيقية هي من مشمولات المختصين في صناعة الموسيقى والباحثين المختصين في الموسيقولوجيا بمختلف تفرعاتها. ان الموسيقى ليست فنا وتطالب في الكثير من الأحيان بتنظيرات معقدة وهذا البعد الذي تنفرد به الموسيقى يجعلنا يقظين آخذين بعين الاعتبار الأشياء التي نحس بها ونفقهها إثناء الاستماع دون سواها." وفي معرض رده على من يعتقدون ان الباحث في اختصاص الموسيقولوجيا لا يعرف جميع موسيقات العالم وبالتالي هو غير قادر على تحديد كل اللهجات قال سمير بشة:"ان الموسيقولوجيا مثلها مثل بقية العلوم لا توم على أساس الاستقراء فهي تطور الفرضيات من خلال عينات هي بالتأكيد محدودة وبالتالي ان اشتغال البحث عنه مجموعة ضئيلة من موسيقات"يدركها ويعيها"من شأنه ان يقدم نتائج علمية قريبة من الصحة وتفيد حتما الباحثين الذين سيعودون للاشتغال عليها. وقد أرجع الأستاذ سمير بشة في نهاية مداخلته سبب البحث في موضوع "موسيقولوجيا الاختلاف اللهجوي"الى الرغبة في التأسيس لمشروع اختصاص وجب التفكر في أغراضه العلمية ومدى نفعيته ضمن مقاربات الموسيقولوجيا الشاملة. وجعل هذه الإشكاليات والفرضيات المطروحة حول مسالة اللهجة في الموسيقى مسببات لتصور علمي سنداته السؤال وحجة الإجابة عن السؤال.