تؤكد الكثيرمن التجارب الاجتماعية والسياسية والتاريخية أن الدين لا يمكن رصد دوره المركزي في أي انتخابات بمعزل عن رصد التغيير الاجتماعي والسياسي الذي تشهده السياسة الداخلية والخارجية للبلد. فالملاحظ الحضورالكبير للبعد الديني في الشخصية العربية المعاصرة، وأزال هذا الحضورالكثيرمن الحجب عن العلاقة بين المجالين الديني والسياسي في الحياة السياسية العربية بشكل واضح جدا، وهوما فاجأ الكثيرمن القوى والجهات التي اختلف تفسيرها للظاهرة تبعا لمواقفها السياسية ورؤاها الأيديولوجية. فإزاء النجاح الكبيرالذي حقّقته الأحزاب الدينية في العديد من الدول العربية بعد إزاحة الأنظمة الشمولية بدءا من العراق وليس انتهاء بمصروتونس وقد تصل الموجة لدول أخرى. وهذه الظاهرة اختلفت التفسيرات حول أسبابها ومبرراتها ، وأرجع عدد من المراقبين ذلك إلى استخدام الرموزالدينية وقالوا إنه هوالذي نقل هذه الأحزاب إلى سدّة الحكم كقوّة أساسيّة ورئيسية، ولكن تناسى البعض أن الدين كفكرموجود لم تستطع الأنظمة الشمولية إزالته ، بل بعضها ارتكزعليه من أجل البقاء أطول فترة ممكنة ، خاصة أن النظام السياسي العربي تنقل بين الدين والعلمانية والقومية حسب مقتضيات مصلحة البقاء. لهذا فإن الأحزاب الدينية امتلكت فرصة الوجود كبديل للنظم الشمولية وتمكنت من ملأ الكثيرمن الفراغات التي تركها تهاوي هذه الأنظمة وتمكنت من امتلاك مساحة كبيرة من الشارع بطريقة سريعة جدا ساعدها في ذلك سرعة إجراء الانتخابات وعدم وجود فترة انتقالية تتاح من خلالها فرصة التواجد للأحزاب العلمانية. ولكن السؤال المطروح هنا لماذا فشلت الأحزاب الدينية في بناء الدولة الجديدة؟ السبب يكمن بأن هذه الأحزاب ذات طبيعة اجتماعية أكثر منها سياسية، وفي جانب آخرهي أحزاب فئوية مذهبية أكثرمما هي عابرة صوب المواطنة أوجامعة للمكونات الاجتماعية . لهذا فإنها حاولت جهد الإمكان نسف الماضي ومحاولة بناء مجتمع يتناسب وفكرها وهويتها وهوالأمرالذي يشبه إلى حد كبيربناء دكتاتورية جديدة بطريقة قد تكون أكثرقساوة من الماضي. الجانب الآخريتمثل بأن لها فكرا يتناقض مع ما هوموجود حاليا خاصة إذا ما تعلق الأمربحقوق الإنسان والمرأة وغيرها من الأمورالتي يجب أن تكون حاضرة في عملية بناء الدولة الحديثة. وهذا نابع من أسباب عددية ، أولها أن أغلب الأحزاب الدينية لا تؤمن بالديمقراطية والتعدّدية ، وقد يقول البعض إن وصول هذه الأحزاب للسلطة في الدول العربية جاء عبرآليات ديمقراطية شاركت فيها، ونحن هنا نقول نعم، هي كانت ضامنة للفوزلهذا أوحت بإيمان محدّد بالديمقراطية ، ولكن علينا أن ننتظرهل ستؤمن بالتداول السلمي للسلطة إذا ما خسرت الانتخابات القادمة ؟ بالتأكيد سيكون لها رأي آخربالديمقراطية . السبب الثاني ، بأن فكرهذه الأحزاب وأدبياتها يبتعد كثيرا عن مفهوم بناء الدولة المعاصرويتوقف الزمن وحدوده لدى هؤلاء بمفهوم الدولة الإسلامية عبرمختلف العصوربما في ذلك نظام الخلافة الذي وجدنا صداه يعلوفي الكثيرمن الخطب والمنابر. وبالتالي فإن هوية الدولة العربية باتت محكومة بإطارما كان موجودا قبل الف عام وهو الأمرالذي يجعل من الأحزاب الدينية الموجودة حاليا تفكر بعقلية الماضي وهوأخطر ما يواجه الإنسان العربي الآن.