لن يكون بإمكان أحد أن يستنقص قيمة وحجم الاستعدادات القطرية لاستقبال ضيوفها من قادة العرب المشاركين في أشغال القمة العربية تماما، كما لن يكون بالإمكان الاستهانة بحجم ما رصدته السلطات القطرية من أموال للسهر على راحة بال الزعماء العرب المتوافدين عليها خلال اليومين القادمين ولن يكون بإمكان أحد ان يشكك في حرص العائلة الملكية في الدوحة على ضمان كل أسباب الإقامة الرائقة وحسن الوفادة فالاموال القطرية وهي التي لا تنضب بفضل ثروة الغاز والنفط المتوفرة لهذا البلد الخليجي الذي لا يتجاوز عدد سكانه النصف مليون نسمة، وهي الثروة التي باتت جسر عبور قطر الى كل العالم -وليس الى المنطقة العربية فحسب- الذي يتطلع الى الاستثمارات القطرية التي امتدت من فرنسا الى اسبانيا واليونان وقبرص بل والى أغلب الدول الأوروبية التي تعاني من تداعيات الازمة الاقتصادية الخانقة.. تنظيميا اذن سيكون بإمكان سلطات قطر الفوز بالمرتبة الأولى في حال تنظيم مسابقة بين الدول العربية فليست الإمكانيات هي التي تعوز قطر أو التي يمكن أن تحرجها أمام ضيوفها ولكن ما يعوز القيادات القطرية ومعها بقية القيادات العربية دون استثناء أعمق وأكبر من كل الإمكانيات والأموال فمصيبة الحكام العرب قبل وبعد الثورات العربية كانت وستبقى في غياب الإرادة السياسية المطلوبة وغياب سلطة القرار وانعدام الوضوح لديها.. فالأزمة السورية التي ستكون على رأس أولويات قمة الدوحة ستبقى قائمة حتى بعد أن تنفض القمة أشغالها ويكفي أن نحو مائة وخمسين سوريا سقطوا عشية افتتاح القمة العربية في الحرب الدائرة ببلاد الشام ليتأكد أن نزيف الدم لن يتوقف قريبا وأن طريق الخلاص أمام الشعب السوري لن يتضح في أعقاب القمة التي تريد قطر أن تخرج منها حاملة لقب الزعامة على دول المنطقة مستفيدة من الأوضاع والتطورات الحاصلة وما أفرزته موجة الربيع العربي من إرباك وفوضى أمنية واجتماعية واقتصادية في هذه الدول وما سبقها من اضعاف للعراق على مدى عشر سنوات من الاجتياح استنزقت قدراته وثرواته وطاقاته وجعلته قابلا للتفكك والتقسيم حاله كحال الرجل المريض اليائس من العلاج الذي بات مستعدّا نفسانيا للقبول ببتر عضو من أعضائه للبقاء على قيد الحياة، كل ذلك الى جانب الموقف السعودي الحذر الذي لم يعد بامكانه تجاهل مطالب الإصلاح والديمقراطية والحرية الزاحفة الى شعوب دول المنطقة بفضل المواقع الاجتماعية وثورة المعلومات والتي وقع اجهاضها مرة أولى في سلطنة عمان وتم ضخ الأموال والمساعدات لاسقاطها مبكرا ومرة ثانية في البحرين حيث أرسلت قوات درع الخليج على عجل لانجاح المهمة و تجنب امتداد العدوى.. سوريا لن تكون الاختبار الذي ستواجهه القمة العربية فقد فات أوان كان بالإمكان الحديث فيه عن دور للجامعة العربية يجنب المنطقة مزيد المآسي والجروح، الاخبار القادمة من سوريا تؤكد أن الوضع بلغ مرحلة اللاعودة أمام دخول الاقتتال مرحلة الحرب الاهلية المستعصية وقد جاء اعلان استقالة احمد معاذ الخطيب من رئاسة الائتلاف السوري ساعات قليلة قبل القمة ليعكس بعضا من حقائق مغيبة في المشهد السوري والصراعات الدائرة في صفوف المعارضة في الداخل والخارج، ولا شك أن الغموض الذي يكتنف مصير قائد الجيش الحر رياض الاسعد الذي أصيب بدوره عشية افتتاح القمة جاء ليزيد التضييق على الخيارات المتبقية في المشهد السوري ان كان هناك من خيارات متبقية. الخطيب الذي حمل استقالته للمجتمع الدولي بسبب تقاعسه عما يجري في سوريا كشف أيضا أن هناك خطوطا حمراء ولا مجال لتجاهلها ولعل في رفضه قبل أسابيع المشاركة في مؤتمر أصدقاء سوريا في باريس ما دفع بحلفاء الامس للبحث عن بديل مطيع بدلا منه لا سيما وأنه دعا الى ضرورة تغليب منطق الحوار مع الأسد وهي الدعوة التي أطلقها البيت الأبيض من قبله، الامر الذي كلفه مواجهة الاتهامات بالتخوين والتنكرللثورة.. القمة العربية الراهنة قمة عادية تعقد في مواجهة أحداث استثنائية لم تعرف الشعوب العربية لها مثيلا منذ تأسيس الجامعة العربية قبل ستة عقود ولذلك فان نتائجها وقراراتها لن تخرج عن المألوف ولن تعيد ثقة الشعوب في الجامعة العربية ولا في القادة المجتمعين فيها. ولعل في مشروع البيان الذي تسرب عن القمة ما يؤكد أن بلاد العرب من الشام الى تطوان ليست في أفضل أحوالها، ويكفي التساؤل عما اذا كانت القضية الفلسطينية ستجد لها في القمة موقعا أومؤشرا على تقدم يذكر لوقف الاستيطان أو عودة اللاجئين أو انهاء الاحتلال أو تحريرالاسرى لندرك أن الحلم المعلن في قمة أنشاص قبل النكبة والى حدّ القمة الراهنة لا يزال بعيد المنال.. قطر هذا اللاعب الإقليمي الذي اقتحم كل البيوت على مدى العقد الماضي بفضل قناة الجزيرة لن تكون حاضنة القمة العربية في دورتها الرابعة والعشرين فحسب بل وحاضنة المعارضة السورية التي ستشغل اليوم مقعد سوريا في قمة الدوحة، قرار لم يكن ليمرّ دون أن يثير بعض الدول ومن بينها الجزائر ولبنان والعراق التي لم تخف تحفظها ورفضها لاستعجال القرار قبل توفر الغطاء القانوني الذي يستوجب اعلان غسان هيتو، رئيس الحكومة المؤقتة المحسوب على الاخوان الذي سيحتل كرسي سوريا، تشكيلته الحكومية التي يبدو أنها قد لا ترى النور قريبا لعدة اعتبارات. ليس سرا بالمرة أن الخلافات لم تكن غائبة عن الاجتماع الوزاري الذي تأخر افتتاحه ساعات بسبب الازمة السورية.. وليس سرا أن سوريا اليوم تبقى الرهان غير المضمون لاستمرارها وبقائها موحدة بعد هذه الازمة.. شبح ومخاوف مخططات «سايسبيكو» الثاني تعود الى الاذهان اليوم، لتؤكد أن هاجس الزعامة قد يدفع ببعض السياسيين المغامرين الى التنازل عن سوريا في بازار الجامعة العربية...