- يا شباب وطني وعقيدتي، ويا أطفاله ويا كهوله، ويا مسنوه، «لا تيأسوا من روح الله» (يوسف آية 87) «لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم» (الزمر آية 53) وإنما «قوموا لله قانتين» (البقرة آية 238) لقد أكد لكم الله خالقكم الغفور «إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدّقين والمتصدّقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما» (الأحزاب آية 35) أعقلوا وتفقهوا وتدبروا حتى تتيقنوا. إنني أتوجه إليكم لأذكر كم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «دين المرء عقله ومن لا عقل له لا دين له» روي عن جابر وفي الأثر ذكر محمد جواد مغنية في كتابه الإسلام والعقل وعن الرسول صلى الله عليه وسلم «أصل ديني العقل» وفي حديث عن أبي ذر الغفاري «لا عقل كالتدبير، ولا ورع كالكف، ولا حسب كحسن الخلق» وروى ابن عباس «عليك بالعلم، فان العلم خليل المؤمن، والحل وزيره والعقل دليله، والعمل قيمه الرفق أبوه، واللين أخوه، والصبر أمير جنوده وهو حديث حسن وروى ابن عساكر عن أبي الدرداء هذا الحديث النبوي «قليل التوفيق خير من كثير العقل، والعقل في أمر الدنيا مضرة، والعقل في أمر الدين مسرة» وفي حديث عن ابي هريرة «رأس العقل بعد الإيمان بالله التودد الى الناس» وفي حديث آخر عن علي بن طالب «رأس العقل بعد الدّين التودد الى الناس واصطناع الخير إلى كل بر وفاجر» وأوضح لنا هذا الحديث النبوي المروي عن سعيد بن المسيب فوائد أخرى وان أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة وان أهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة» تلك هي بعض أحاديث خاتم المرسلين المتعلقة بالعقل وما يتبعه فنعمة العقل لا تحصى منافعها وفوائدها فقد روي ما معناه ان عبادة ساعة عن إيمان عقلي، تعادل عبادة ستين سنة من عبادة جاهل فالعقل «رسول» في الباطن، والشرع «عقل» والظلم قبيح، حكم الشرع بان العدل محبوب لله والظلم مكروه له (انظر العقل والشريعة للدكتور مهدي فضل الله) يقول الغزالي «فالشرع عقل من خارج، والعقل شرع من داخل وهما متعاضدان، بل متحدان، ولكون الشّرع عقلا من خارج، سلب الله تعالى اسم «العقل» عن الكافر في غير موضع من القرآن نحو قوله صم بكم عمي فهم لا يعقلون (البقرة آية 171) ولكون العقل شرعا من داخل قال تعالى في صفة العقل «فطرة الله التي فطر النّاس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم» (الروم آية 39) فسمي العقل دينا ولكونهما متحدين قال «نور على نور» (النور آية 35) أي نور العقل ونور الشرع، ان العقل لن يهتدي إلا بالشرع والشرع لن يتبين الا بالعقل فالعقل كالأس، والشرع كالبناء ولن يغني أس ما لم يكن بناء ولن يثبت بناء ما لم يكن اسّ، وايضا، فالعقل كالبصر، والشرع كالشعاع ولن يغني البصر ما لم يكن شعاع من خارج ولن يغني الشعاع ما لم يكن البصر.. وأيضا فالعقل كالسراج، والشرع كالزيت الذي يمده، فما لم يكن زيت لم يحصل السراج، وما لم يكن سراج لم يضئ الزيت» (المنقذ من الضلال للغزالي) كما يقول الغزالي «وانا نحكم بالنص عند وجوده، وبالاجتهاد عند عدمه» وبرأيه «ان النصوص المتناهية لا تستوعب الوقائع غير المتناهية، ولذا فلا بد من الاجتهاد في ارجاع الوقائع الخاصة او الجزئية الى النصوص العامة» (نفس المرجع الاول) لا اريد ان أدخل في مزيد التفاصيل وانما اردت تنبيه الجامدين والجاحدين ليتقوا الله ولا يثيرون الفتن في عقول الناس، ويضللونهم بالغلو، والله تعالى نهى عن ذلك بقوله تعالى «لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا اهواء قوم قد ضلوا من قبل واضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل» (المائدة آية 77) وفي الحديث النبوي «لا تشددوا على انفسكم فيشدد عليكم فان قوما شددوا على أنفسهم فشدد عليهم فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات «رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم» (الحديد آية 27) روي عن انس بن مالك وامر الرسول عليه الصلاة والسلام بالتيسير «يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا روي عن أنس ونهى عن الغلو «اياكم والغلو في الدين فانما هلك من قبلكم بالغلو في الدين» روي عن ابن عباس ولهذا «لا تكونوا إمعة تقولون ان احسن الناس احسنا وان ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا انفسكم ان احسن الناس ان تحسنوا وان أساؤوا فلا تظلموا» روي عن حذيفة اذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «لا تبكوا على الدين اذا وليه اهله، ولكن ابكوا عليه اذا وليه غير اهله» روي عن ابي أيوب فانا اقول لا تبكوا على التربية اذا وليها اهلها، ولكن ابكوا عليها اذا وليها غير اهلها. ولا تبكوا على العلم اذا وليه اهله ولكن ابكوا عليه اذا وليه غير اهله، لقد جاء في الحديث النبوي» ان الله تعالى لا يقبض العلماء، حتى اذا لم يبق عالما، أخذ الناس رؤوسا جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا» روي عن ابن عمر وبن العاص، لا تبكوا على العدل اذا وليه اهله، ولكن ابكوا عليه اذا وليه غير اهله، لا تبكوا على الاسرة اذا وليها اهلها ولكن ابكوا عليها اذا وليها غير اهلها. لا تبكوا على الوطن اذا وليه اهله، ولكن ابكوا عليه اذا وليه غير اهله، اذا البكاء لن يكون اذا أسندت المسؤوليات لأهلها الأكفاء والخبيرين بها ولكن ما يجر للبكاء إلا من ينحرف عن الاستقامة حين تسند له المسؤولية سواء العائلية، أو التربوية أو الوطنية وذلك لجهله للعلم النافع الصحيح الذي يصلح ولا يفسد، يبشر ولا ينفر وهذا كله لن يتحقق الا بتهذيب العقل بالعلم وواقع الحياة، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله «لا حليم إلا ذو عثرة، ولا حكيم إلا ذو تجربة» روي عن ابي سعد الخذري، فكيف يكون من يتحمل مسؤولية وهو غير مؤهل لها ان ينجح وهو يجهل أسرار هذه المسؤولية وما يفيدها وما يضرها؟ فلاشك سيخطئ الطريق الصائب، لأنه لا يفقه أسرار المسؤولية، ولا يعلم حتى بظاهرها، إلى جانب باطنها، ولهذه الأسباب أمر الرسول عليه الصلاة والسلام بطلب العلم ولو من مكان بعيد «اطلبوا العلم ولو بالصين، فإن طلب العلم فريضة على كل مسلم، ان الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يطلب» روي عن أنس بن مالك، ألم يكف خطاب خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم لكل الأجيال «أنتم أعلم بأمر دنياكم» روي عن أنس وعائشة، وذلك لأن كل جيل يعيش واقع حياته حسب ما تفرضه المتغيرات الكونية والمستحدثات المعلية والمكتشفات المستجدة، فالاصلاح المجتمعي لن ينجح إذا لم يحصل ترابط وثيق بين الماضي والحاضر والمستقبل، وأن يفهم كل جيل حقيقة قول الله خالقه «وما أوتيتم من العلم إلا قليلا» (الاسراء آية 85) وأمره تعالى «وقل رب زدني علما» (طه آية 114)، فالعقل قاسم مشترك بين جميع أبناء آدم، إذ قال الله تعالى «ولقد كرمنا بني آدم» (الاسراء آية 70) والتكريم حصل بنعمة العقل، ولكن أبناء آدم بعضهم بلغ درجة عالية بعقولهم، وبعضهم نزلوا الى أسفل السافلين لإهمال عقولهم واتباع أهوائهم، وهذا يجرنا الى استحسان القول (العقل كالبصر، والشرع كالشعاع ولن يغني البصر ما لم يكن شعاع من خارج، ولن يغني الشعاع ما لم يكن البصر.» وكذلك «العقل كالسراج والشرع كالزيت الذي يمده فما لم يكن زيت لم يحصل السراج، وما لم يكن سراج لم يضئ الزيت» ولهذا «ان العقل لن يهتدي إلا بالشراع، والشرع لن يتبين إلا بالعقل.» فلن يفقه الدين إلا بالعقل، ولكن العقل الفارغ من العلم والخبرة والكفاءة، يبقى جامدا، أو جاحدا، لأن هذه الآلة التي منحها الله لعباده إذا لم تتحرك في طلب العلم فبلا شك لا تجدي نفعا ويبقى الإنسان أصم وأبكم وأعمى في فئة جهل الجاهلين، وأقواله عنيفة، وافعاله متوحشة، لا يألف ولا يؤلف. وفي الحديث «المؤمن يألف ويؤلف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف وخير الناس أنفعهم للناس» روي عن جابر وبفضل العلاقة الاتحادية بين العقل والشرع يصح القول «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم» حديث نبوي روي عن أبي هريرة. المسلم الحقيقي الصادق من فقه وفهم حديث رسول الله صلى الل عليه وسلم «ان الله تعالى لا ينظر الى صوركم، وأقوالكم، ولكن ينظر الى قلوبكم وأعمالكم» روي عن أبي هريرة أي ينظر الى قلوبكم محل التقوى وأوعية الجواهر وكنوز المعرفة، فالعقل المدبر الحكيم ثمرة القلب التقي الخبير.