استقطبت السهرة الإفتتاحية لبرنامج جمعية قرطاج للمالوف والموسيقى التونسية جماهير يمكن القول أنها غفيرة فقد فاقت طاقة استيعاب قاعة العروض بفضاء الأكروبوليوم بقرطاج- أين اقيمت السهرة ليلة الجمعة- بكثير. وجمعية قرطاج للمالوف التي يرأسها محمد الأمين الكواش حديثة النشأة ووراءها مجموعة من رجال الأعمال وكوادر تونسية تجتمع في الغرام بالموسيقى والرغبة في اقتسام عشقها لها مع أكبر عدد ممكن من التونسيين. الأعداد الكبيرة من الجماهير التي تحولت إلى الأكروبوليوم بقرطاج وقد لفت الحضور المكثف لهذه الجماهير الإنتباه خاصة وأن سهرة أخرى للمالوف كانت تقام في نفس الليلة ( سهرة الجمعة ) إذ أحيت مجموعة الرشيدية حفلها الشهري بالمسرح البلدي بالعاصمة. ولعل الإنطباع الذي يسود أن التونسيين متعطشون بدرجة كبيرة للخروج والسهر وهم يقبلون بالخصوص على الموسيقى التونسية ولسنا بحاجة إلى أكثر من ذلك المشهد, مشهد الجمهور الذي كان متنوعا بين نساء ورجال وشباب وبنات وحتى أطفال حتى ندرك حاجة التونسي للسهر وحاجته لمادة ثقافية تستفز فيه الرغبة في الخروج في وقت لا نستطيع أن ننفي فيه أن الظروف في البلاد وخاصة منها الجانب الأمني هي بالأحرى غير مشجعة. داخل أسوار الأكروبوليوم ( كنيسة سان لوي سابقا ) احتشدت الجماهير وتفاعلت مع برنامج السهرة واستمرت على نفس درجة التشجيع بل كان النسق يرتفع مع مرور الوقت وعرفت السهرة في أواخرها وبعد أكثر من ساعتين لحظات جد معبرة حيث قامت موجة من التصفيق تفاعلا وانسجاما مع الكوكتال من الأغاني التونسية التي قدمها الفنان زياد غرسة. حتى أن البعض استسلم للحظات لرغبة جامحة في الرّقص على الأنغام التونسية. ربما لم تقدم السهرة التي قادها الفنان زياد غرسة الذي لا يحتاج بطبيعة الحال فيما يتعلق بالبرنامج الجديد بالنسبة للمعتادين على سهرات المالوف والموسيقى التونسية لكن الآداء غناء وعزفا امتع الجمهور بدرجة كبيرة و تحولت القاعة في لحظات إلى كورال موسع رددت الجماهير مع الفرقة والمجموعة الصوتية أغلب الكلمات وتمايلت مع الألحان. وبلغ تفاعل الجماهير أوجه عندما علت الأصوات من هنا وهناك تبارك الآداء وخاصة عند لحظات الإرتجال على مختلف الآلات من كمان وآلطو وتشلّو وناي وكنترباص وعود وقانون إلخ... الربيع الذي ازهر بالمكان انتثرت الفرقة الموسيقية والمجموعة الصوتية على الركح الواسع وبرزت البنات في لباسهن التقليدي الملون بين الأخضر والزهري والأحمر والأزرق فبان وكأن الربيع قد أزهر بين أرجاء الفضاء. الرجال كانوا بالكسوة السوداء العصرية يقودهم زياد غرسة المتمسك بالجبة التونسية تارة جلوسا وتارة وقوفا. بسرعة وبمجرد مرور بعض اللحظات على العرض الذي انطلق بعد الثامنة ليلا بقليل بدأت تسري حالة من الإنتشاء بين الجماهير ورويدا رويدا تحفزت المشاعر وسخنت الأجواء وبانت السعادة على الوجوه وتحول الجمهور إلى جزء فاعل في السهرة في ليلة هي بالأحرى وفي مثل ظروف البلاد منذ فترة بألف ليلة وليلة. افتتح البرنامج باستفتاح ومصدر في طبع النيل ثم استخبارا لزياد غرسة على آلة العود وعندما وصلنا إلى ناعورة الطبوع كانت الجماهير قد اندمجت في السهرة كليا وكان خيال صليحة وعلي الرياحي والهادي الجويني وكبار مطربينا يرفرف بين أجنحة الفضاء. أدى المطرب محمد شبيل أغنية " اللي تعدى وفات " للهادي الجويني كما قدمت محرزية الطويل أغنيتين " يااللي ظالمني" لعلي الرياحي ويا هاجرة للوردكاش. وقد استقبل الجمهور آداءهما بالتشجيع والتصفيق في حين وكما سبق وذكرنا بلغت القاعة أوج الإنتشاء عندما رفع زياد غرسة الدف وطفق يقدم مقطوعات من أشهر أغاني لوالده الراحل الطاهر غرسة. تلقى زياد غرسة فرحة الجمهوربفرح واضح عنه بمخاطبة الجمهور والتواصل معه بإيجابية ومبادلته التحية بمواصلة الغناء بحماس أكبر. لا يمكن للجمعية المنظمة بطبيعة الحال إلا أن تستبشر بهذه البداية التي كانت أكثر حتى من مشجّعة.