: نواف الزرو - كان الحلم الصهيوني التاريخي الذي دغدغ –وما يزال- مؤسسي الدولة الصهيونية، أن يستيقظوا ذات صباح من نومهم ليجدوا أن"البيئة الاستراتيجية-العربية-المعادية لهم" وقد اختفت، وحلت محلها "بيئة صديقة آمنة لهم"، فكانت القيادات الصهيونية التاريخية -مثل بن غوريون وبيغن ودايان ومائير وشامير ورابين وغيرهم-، تتمنى دائما ان تستيقظ لترى فجرا جديدا وبيئة عربية جديدة غير معادية تستريح فيها "اسرائيل" لمدة اربعين عاما او اكثر، ولذلك حرصت تلك الدولة على مواصلة حروبها العدوانية ضد العرب من اجل تكريس روح الهزيمة في وعيهم، وتدجينهم واجبارهم على التأقلم مع الهزيمة لاطول فترة من الزمن، فالمؤسسة الصهيونية حرصت على مدى العقود الماضية على الادعاء بأن حروب "اسرائيل" مع العرب هي حروب وجود وبقاء، لذلك كانت "اسرائيل" في كل حروبها هي المبادرة والمعتدية، ولكنها كانت تزعم على الدوام انها انما تشن حروب "دفاع عن النفس" او حروب "حياة او موت في مواجهة الارهاب" او "حروب استمرار لحرب الاستقلال"...وغير ذلك الكثير من الادعاءات..! لم يخطر ببال تلك القيادات على سبيل المثال ان يحقق العرب بأيديهم ذلك الحلم الصهيوني، فكان الانقلاب الذي قام به السادات على العهد الناصري العروبي المعادي للصهيونية والاستعمار، محطة ساهمت في تحول البيئة الاستراتيجية المحيطة الى بيئة هادئة مدجنة بل وحامية للوجود الصهيوني، ما اسعد واراح الدولة الصهيونية من الحروب لأربعين عاما، وفي اعقاب تفجر الغضب الشعبي العربي في تونس ومصر، اخذت تلك الدولة تبكي على فقدان حليفها الاستراتيجي في مصر، وسيطرت عليها الهواجس الوجودية مرة اخرى، من ان تتغير البيئة العربية الاستراتيجية الى بيئة معادية، بل توقع عدد من كبار الباحثين الاسرائيلية حروبا تخلع "اسرائيل" من الوجود، الى ان اخذت "ثورات الربيع العربي" تأكل بعضها، وتحولت الى صراعات وحروب داخلية واهلية لا تذر ولا تبقي، بل واخذت المؤسسة الصهيونية تعتبر ان ما يجري في سورية من حرب داخلية ومن تدخلات عسكرية خارجية سيشكل نقطة تحول استراتيجي في الصراع، والمسألة لم تعد نظرية او افتراضية او اعلامية للاستهلاك العام، بل أخذت تتحول الى واقع ملموس بفعل هذا التكالب الامريكي الاسرائيلي التركي العربي على تدمير سوريا، وتجزئتها وتحويلها الى دويلات طائفية هزيلة ضعيفة، لا تخدم في الحاصل الاستراتيجي سوى الدولة الصهيونية، وفي ذلك، نقلت اذاعة جيش الاحتلال- اول امس عن مصادر امنية اسرائيلية قولها :"ان تقسيم سوريا الى دويلات اصبح واقعا"، مشيرة الى "ان التقييمات الاستخبارية تؤكد انشاء كانتونات كردية ودرزية وعلوية وسنية في سوريا في ظل تناقص المساحة التي يسيطر عليها النظام في المناطق السنية ومناطق الاقليات الاخرى"، واوضحت "ان الاجهزة الامنية في اسرائيل تجري اتصالات اقليمية على اعلى مستوى، بما في ذلك مع تركيا لضمان عدم انفلات الاوضاع على الحدود في الجولان"، موضحة "ان لا تهديد جدي سيكون خلال العشرين سنة القادمة على امن اسرائيل من الجبهة السورية وان الجهود تتركز الان على تهديد حزب الله فقط"، وبينت "ان رسائل متعددة وتطمينات وصلت تل ابيب من اجنحة مختلفة في المعارضة السورية حول مستقبل التعاون والتهديدات التي تشهدها المنطقة وفق العلاقات في المستقبل". في هذه المضامين الاستراتيجية، قال جنرالهم الاسبق موشيه ديان :"اننا/اي اسرائيل/ قلب مزروع في هذه المنطقة غير ان الاعضاء الاخرى /ويقصد العرب/ هناك ترفض قبول هذا القلب المزروع، ولذلك لا خيار امامنا سوى حقن هذا القلب بالمزيد والمزيد من الحقن المنشطة من اجل التغلب على هذا الرفض"، أي العمل على تهيئة المناخات الفلسطينية العربية لتتأقلم مع القلب المزروع، وثبت ديان حقيقة كبيرة مؤكدا :" لقد زرعنا انفسنا هنا عن وعي، وفعلنا ذلك مع علمنا بان محيطنا لا يرغب بنا، ولكن الامر بالنسبة لنا حتمية حياتية، لان هذا القلب لا يمكنه ان يعيش في اي مكان آخر..."، فهل يا ترى اخذ حلم ديان يتحقق بفضل ثورات "الربيع العربي"...؟. يستخلص تقرير استراتيجي صادر عن هيئة الاركان العسكرية الاسرائيلية بالتعاون مع مجلس الامن القومي الإسرائيلي "ان سقوط النظام السوري وتجزئة سوريا الى دويلات طائفية ينهي الصراع العربي الاسرائيلي الى اشعار آخر-لأطول فترة ممكنة"، ويبقى في ضوء كل ذلك، ان يعيد الكثيرون حساباتهم السورية، وان يعتبروا مما جرى في العراق، وان تكون فلسطين والصراع مع المشروع الصهيوني، البوصلة الحقيقية لتقييم الاحداث والمواقف...؟! [email protected] (*) كاتب صحفي فلسطيني وباحث خبير في شؤون الصراع العربي-الصهيوني