يبدو أن الطرف أو الأطراف التي تقف وراء المظلمة التي تعرض لها العقيد لطفي القلمامي لا تزال نافذة في وزارة الداخلية وإلا فكيف يفسر تواصلها إلى اليوم رغم أن الوزراء الذين تعاقبوا على وزارة الداخلية إثر الثورة من فرحات الراجحي إلى علي العريض مرورا بكاتب الدولة لزهر العكرمي اعترفوا جميعا أحدهم كتابيا بأن الأمر يتعلق بمظلمة حقيقية إلا أنه لا أحد منهم تجرأ على رفعها. فما هو السر المختفي وراء هذه الأحجية الغامضة؟ وهل تكشفه الأيام يوما ما؟ وهل تكون للوزير الجديد الشجاعة إما برفعها وإما بإعلام الرأي العام والمعني بالأمر أولا عن المآخذ الخفية على العقيد إن كانت هناك مآخذ؟ أصدرت أمس الدائرة الاستئنافية السادسة بالمحكمة الادارية برئاسة القاضي سامي عبد الرحمان حكمها في قضية العقيد لطفي القلمامي الذي «استغنت» وزارة الداخلية عن خدماته ضمن ما يعرف بقائمة ال42 لفرحات الراجحي الوزير الاسبق للداخلية في عهد الباجي قايد السبسي وكانت اخلالات وشبهات عديدة قد رافقت وجود اسم العقيد لطفي القلمامي ضمن هذه القائمة سبق ان استعرضناها ضمن مقالات حول هذا الموضوع من بينها أنه لم يتول طوال مسيرته المهنية أي مناصب قيادية، بل كان ضمن «جهاز البروتوكول» كما لم يعرف له أي ارتباط بالعائلات «الحاكمة أو المتصاهرة» مهما كان نوعها كما كان ملفه خاليا من أي معطيات حول استغلال نفوذ أو فساد، اضافة الى وجود تحريف في اسمه ومغالطات حول مهامه الحقيقية وقد اعترف فرحات الراجحي نفسه في ما بعد بأنهم «غلطوه» واعترف كتابيا بذلك، كما أن وزير الداخلية السابق نفسه اتخذ نفس الموقف. هل ترفع المظلمة؟ اثر احالته على التقاعد الوجوبي نشر القلمامي قضية لدى المحكمة الادارية التي قضت ابتدائيا بإلغاء قرار وزير الداخلية القاضي باحالته على التقاعد وبارجاعه الى العمل. وفي الوقت الذي انتظر فيه الجميع ارجاعه الى عمله بما أن حكم المحكمة جاء متناغما مع ما عبر عنه الوزير السابق، أي علي العريض من «تفهم» و»تضامن» فإن وزارة الداخلية فاجأت الجميع باستئناف هذا القرار. وها هي محكمة الاستئناف تعترف بحق العقيد لطفي القلمامي في الرجوع الى عمله بقبولها لمطلب الاستئناف شكلا ورفضه أصلا، أي أنها أقرت الحكم الابتدائي الصادر في 11 جويلية 2012 القاضي بارجاع الموظف الى سالف عمله فهل ان الوزارة في عهد الوزير الجديد «المحايد» ستقبل الانصياع لهذا الحكم ورفع المظلمة نهائيا ام انه سيبقى حبرا على ورق؟ ولئن افترضنا امكانية حسن النية حتى ولو كان هذا الاحتمال ضعيفا جدا في قرار احالة العقيد لطفي القلمامي على التقاعد الوجوبي وانه قد يكون خطأ لا غير اثناء حمى الايام الاولى للثورة فان بقاء الوضع على ماهو عليه «لا يمكن له الا ان يفضح سوء نية واضحة وان يخفي اطرافا لا تزال نافذة داخل الوزارة وتريد مواصلة استبعاده لغاية في نفس يعقوب او على الاقل تخشى تحميلها مسؤولية الخطإ الذي ارتكبته خلال فترة فرحات الراجحي. عقاب متأخر أم حسابات مكيافيلية؟ علما وان الحادثة «المتميزة» الوحيدة التي عرفها العقيد لطفي القلمامي خلال حياته المهنية، والتي قد تكون تمت مؤاخذته عليها بهذا «الطرد التعسفي من وزارة الداخلية، حدثت قبل الثورة لما وقع بينه وبين سليم شيبوب صهر المخلوع «احتكاك» حتى لا نستعمل التعبير العامي «نبزية» أثناء إحدى مقابلات كرة القدم لما رغب سليم شيبوب في وضع سيارته في المكان المخصص لسيارات الأمن ومنعه العقيد القلمامي من ذلك. فهل أن لطفي القلمامي يعاقب بعد الثورة على هذا «التطاول» على صهر المخلوع، أم أن الأمر يتعلق وهذا هو الأرجح بالتخلص إطار «متنطع» وصعب الاحتواء في فترة حساسة تخشى فيها عديد الأطراف من المؤاخذة والمحاسبة على ماضيها الأسود وتريد إخلاء الساحة إلا من الموالين والمضمون صمتهم.