لما تدافع التونسيون لانتخاب أعضاء المجلس الوطني التأسيسي كان اعتقادنا جازما انه سيكون مؤسسة تضمّد جراحنا وتلملمها بعد فترة من الضبابية وانعدام الرؤية لكن صدماتنا تتالت منذ جلساته الأولى بفعل الصراعات التي أصبحت تصدر الفتنة عوض مساهمته في التهدئة وبات مصدر قلق وإزعاج في وقت كان ينبغي أن يكون فيه نافذة أمل وتفاؤل بالمستقبل.. ومع كل مطلع كل يوم جديد أصبح هذا المجلس مسرحا للصراعات الحزبية وفضاء للمزايدات السياسية في مشاهد «مقززة» دفعتنا أحيانا إلى «لعن» السياسة والحسابات الضيقة التي ضاعت بين ثناياها مصلحة المواطن والوطن. وبدل أن يكون «نعمة» أصبح بكل المقاييس «نقمة» للتجاوزات التي تابعناها، والألاعيب التي ألفناها الى حدّ أصبحت فيه «خبزنا اليومي». مجلسنا «الموقر» كان طيلة الفترة الماضية بعيدا عن نبض الشارع وأوجاع المواطن وما يعيشه من صعوبات خانقة وأوضاع مأساوية.. كان يعزف نشازا على أوتار لم تزد التونسي إلا صداعا لكثرة المناوشات والانقسامات والمشاهد «الكاريكاتورية» التي أفضت الى اهتزاز صورة «الترويكا» والمعارضة على حدّ السواء. «ترويكا» تدافع عن «كراسيها» ولا شيء دونها، وقد عمدت الى نهج واحد «انصر أخاك ظالما أو مظلوما» مهما كانت مصلحة الوطن ومعاناة الشعب.. ومعارضة وجدت نفسها «لا حول ولا قوة لها» في ظل تباين موازين القوى ليكون همّها الوحيد المعارضة حتى وإن كانت «معارضة من أجل المعارضة « في غياب برامجها وبدائلها المقنعة الى حدّ أنها باتت «ديكورية» بامتياز. ومع تشبث أغلب النواب بالترفيع في منحهم رغم الانتقادات و»اللعنات» التي وجهت إليهم ازدادت صورتهم اهتزازا حيث اتضح ان البعض لا يهتمّ بمتاعب الشعب وأوجاعه ومعاناته بقدر ما مثلت مصلحته الشخصية «همّه» الوحيد وما يقبضه من أموال الشعب رغم لا مبالاته وغياباته لتنطبق عليه عبارة «راقد ويمنجي» على حدّ بلاغة مثلنا الشعبي. إذا تحدثنا بلغة الإنجازات فإن رصيد هذا المجلس «صفر» دون فاصل أي ب»شبعة» أصفار على يمينه ويساره خاصة مع عدم وضوح الرؤية والضبابية بشأن خارطة الطريق بل إن الدستور الذي «هرولنا» لانتخاب المجلس من أجل صياغته رشقته سهام الانتقادات من أغلب الاتجاهات وهو مجرّد مسودّة لم ترتق إلى قيمة الثورة ودماء الشهداء ونضالات الشرفاء. ولا ندري متى سيفهم السادة النواب أنه آن الأوان لوضع حدّ للصراعات والحملات الدعائية والمشاهد «الكاراكوزية» لأن الشعب مل المزايدات فما عليهم إلا طيّ صفحة الأشهر الماضية والقطع مع الأساليب «الغوغائية» لحساسية الفترة المتبقية من عمر المجلس في ظل النظر في الملفات الخلافية والمسائل الجوهرية التي تحتّم الحوار والوفاق بعيدا عن الإقصاء.