شأنها شأن مدينة صفاقس التي مازالت تعاني من مخلفات التلوث الحاد الذي لحقها خلال العشريات الماضية جراء انتصاب شركتي " أم بي كا" و"سياب"، تعيش مدينة قابس وضواحيها وضعا بيئيا صعبا نتيجة التلوث الحاد الناتج عما ينفثه المركب الصناعي للحامض الفوسفوري وغيره من المؤسسات الصناعية المنتصبة في قلب المدينة من مواد سامة في مقدمتها أكسيد الكربون الذي بلغت درجاته في الهواء حدا فاق كل النسب المسموح بها عالميا. هذا الواقع الذي مر عليه قرابة الأربعين سنة حول مدينة قابس إلى منطقة ملوثة صناعيا، كما أفقد بحرها كل المقومات بعد أن كان حوضا سمكيا هاما نتيجة ما تكدس فيه من مادة الفوسفوجيبس، فغابت عنه أنواع الأسماك وهجره البحارة بعد أن كان مورد رزق لمئات الصيادين. هذا التلوث الحاد الذي عرفته قابس أثر على محيطها الطبيعي فحول نخيلها الباسق وأنواع الزراعات التي كانت معروفة بها ومجموع واحاتها إلى عجائز نخل هاوية فقدت معه كل نضارتها وإنتاجها الفلاحي المتنوع، الأمر الذي أحال الفلاحين هناك على بطالة دائمة وفقدان لموارد رزقهم. والأخطر من كل هذا هو ما يحصل هناك من أمراض خطيرة في صفوف سكانها، حيث تكاثرت الأمراض السرطانية وما يعرف بالإصابة بداء " الصفراء"، علاوة على أمراض الكلى وغيرها من العاهات الخطيرة التي تفشت بين السكان وخاصة منهم الأطفال الصغار الذين باتوا غير قادرين على العيش وسط تلوث هوائي حاد. وعلاوة عن كل هذا يبدو أن الشركات الصناعية المنتصبة هناك قد تآكلت بفعل التقادم وفقدت الكثير من بنيتها وأسسها مما جعلها تنذر بمخاطر كبيرة نتيجة ما تحتويه من مواد خطيرة وعدم قدرتها على حمايتها، وهو أمر يدعو للتدخل العاجل لتأمين جملة المواد الخطيرة الموجودة بداخلها، ويحمي السكان من إمكانيات اندلاع حرائق وانفجارات لتلك المواد التي عرفها المطلعون على الوضع هناك بأنها قنابل موقوتة يجب تأمينها قبل فوات الأوان. هذه الصيحة التي أطلقها سكان قابس لابد أن تأخذها السلط مأخذ الجد وتتعامل معها بشكل يحمي سكان الجهة من كل المخاطر، ونعتقد أنه قد حان الوقت لرفع اليد عن تلك المنطقة إما بتعزيز سبل الحماية أو بالتفكير في نقل تلك المؤسسات الصناعية التي تنتصب في قلب المدينة منذ عشرات السنين. فهل تتحرك الحكومة من أجل إزالة هذا الكابوس الخطير الذي يهدد سكان مدينة قابس؟ ذلك هو السؤال الذي ينتظر إجابة عاجلة.