تعاني مدينة قابس من معضلة التلوث منذ عدة عقود بسبب انتصاب معامل المجمع الكيميائي بغنوش على تخوم المدينة فأحدثت كارثة ثلاثية الأبعاد تلوث بحري وهوائي وأرضي وبالرغم من المليارات من العملة الصعبة التي يضخها هذا المجمع على مدار الزمن... غير أنه وفي ظل غياب الشفافية والحكم الرشيد وباستثناء اليد العاملة التي يشغلها هذا المجمع في مختلف وحداته الصناعية فانه لم يقدم شيئا يذكر لسكان الجهة للمساهمة في علاج ما أفرزه هذا التلوث حيث زاروفد ياباني تابع لإحدى المنظمات البيئية العالمية وقدم تقريره الشهير خلال السنوات الماضية والذي يقول إن شواطئ قابس لا تصلح للاصطياف حتى للحيوانات البرمائية ناهيك عن البشر وتحرك يومها نظام المخلوع ليقول إننا استطعنا بواسطة خبرات أجنبية وعبر استعمال تقنيات جديدة القضاء على التلوث البحري وتصحر الشواطئ التي هجرتها طبعا كل أنواع الحيوانات البحرية نتيجة لذلك أما الحل فيتمثل في إحداث مصب أرضي لمادة «الفوسفوجيبس» بمنطقة «المخشرمة» قرب وذرف بدل مواصلة صبه في البحر وتم رصد مبالغ طائلة للغرض غير أن المشروع لم ير النور بعد الثورة نتيجة اعتصام متساكني وذرف ورفضهم لتلويث أراضيهم كما يقولون ولعل ما زاد الطين بلة هو إقدام المستثمر البرتغالي الذي تولى شراء معمل اسمنت قابس الامتناع عن استعمال الطاقة الكهربائية لاستخراج مادة الاسمنت وتغييرها بعد موافقة النظام السابق وفي إطار صفقة مشبوهة على استعمال الفحم البترولي أو مايسمى ب«الكوك» وأحدث للغرض شركة تختص بتوريد هذه المادة ومقرها بميناء غنوش على أن يتم نقله عبر القطارات مباشرة إلى المعمل بيد أنه وفي ظل الانفلات الذي تعيشه البلاد خلال الشهور الماضية فقد أصبح يستورد هذه المادة لحسابه وبيعها لمعامل أخرى كمعمل اسمنت أم الإكليل والقصرين وغيرهم بل أكثر من ذلك فقد أفادنا أحد إطارات المجمع العاملين هناك بأن الأكداس المكدسة من هذه المادة وما تشكله من خطر حقيقي على البيئة والإنسان زادت بشكل خيالي هذه الأيام دون احترام لأبسط قواعد حفظ البيئة والمحيط أي دون حتى أن تتم تغطيتها بالبلاستيك العازل في ظل الصمت المطبق للسلطة. وقد انعقدت في بحر الأسبوع الماضي ندوة علمية حضرها عدد كبير من متساكني الجهة والمهتمين بالشأن البيئي للتنبيه إلى خطورة الوضع وإطلاق صيحة فزع وقدم البعض أرقاما مفزعة حول تزايد نسبة الإصابة بأمراض سرطانية مختلفة في أوساط السكان مع غياب قسم مختص بالمستشفى الجهوي بقابس للأمراض السرطانية ناهيك أن الطبيب الاختصاصي الوحيد في الأمراض السارية بالمستشفى قد قدم استقالته منذ مدة وبقي القسم تحت إشراف طبيب للصحة العامة.