مرة أخرى يحاصرنا الإحساس بالخيبة والخذلان نتيجة المواقف والتحركات الباهتة لكبار المسؤولين في السلطة في وقت تزداد فيه قناعة المواطن العادي بتفاقم خطر الارهاب الداهم والألغام التي تستهدف البلاد والعباد، اذ ومع دخول عملية الشعانبي الإرهابية أسبوعها الثاني وفي الوقت الذي يتحرق فيه التونسيون لمعرفة حقيقة ما يحدث على جزء من تراب تونس وحجم الخطرالذي يمثله تنظيم شبكة القاعدة على الامن والاستقرار، خرج الرئيس المؤقت بعد صمت طويل في خطاب استعراضي بدا أقرب الى الحملات الانتخابية العشوائية المبكرة منه الى الخطاب المسؤول المستشعر لحجم وتداعيات الخطر ولما يستوجبه من خطوات جرئية للاقرار والاعتراف بأخطاء الماضي ولإصرارعلى تدارك ما فات وتجنيب البلاد أسوأ السيناريوهات. رسالة الرئيس المؤقت للتونسيين بدعم قوات الامن والشرطة البواسل كما رسالته للوهابيين المتطاولين على حرمة بلادنا أتت متأخرة وخالية من العبر وأكدت أن ساكن قصر قرطاج بعيد وللأسف عن نبض الشارع التونسي الذي لم ينتظر دعوة رسمية ليعلن دعمه ومنذ اللحظات الأولى للكشف عن مخططات الإرهابيين لكل الأمنيين رجالا ونساء وهم الذين لم يترددوا في التضحية بالغالي والنفيس للذود عن حرمة الوطن، تماما كما لم أنه لم يتردد في رفع صوته عاليا عندما غاب صوت المسؤولين معلنا رفضه للوهابيين وأصحاب الفتاوى الدخلاء على مجتمعنا المحملين بثقافة الحقد والكراهية والفتن. بل الواقع ان تحرك رئيس الجمهورية المتأخر بالأمس لم يختلف عن مواقف لا تقل استخفافا بالرأي العام سبقه اليها زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي الذي أختار بدوره تذكير التونسيين بأن "جيشنا مسلم وشرطتنا مسلمة وأن مجتمعنا مجتمع مسلم " بعد أن اكتشف أن ما يحدث في جبل الشعانبي ليس من الجهاد في شيء وأن هذا الجهاد في غير مكانه وأن من أراد الجهاد فعليه بفلسطين متجاهلا أن مثل هذه التصريحات لن تجد لها صدى يذكر لدى من كان يعتز بوصفهم يذكرونه بشبابه وأنهم حاملين لثقافة جديدة في مجتمعنا عندما كان يصر على رفض الامر الواقع مشددا على أن الحديث عن تيارات جهادية سلفية متحصنة في البلاد أمور مبالغ فيها وهي من بدع الاعلام والإعلاميين والأمثلة طبعا عديدة وقد ظلت تتخذ نسقا تصاعديا من حادثة العلم الى أحداث منوبة والعبدلية والاضرحة الى دوار هيشر وأحداث السفارة الى جريمة اغتيال شكري بلعيد والتي كانت نتيجة حتمية لكل الاختبارات الفاشلة لاعمال العنف والإرهاب التي سجلت طوال الأشهرالماضية... مواقف كبارالمسؤولين التي تواترت في مثل هذه المرحلة الحساسة التي تمر بها البلاد لا تتوقف عند هذا الحد وبدوره لم تخرج مواقف رئيس الحكومة المسجلة بالأمس في رحاب المجلس الوطني التأسيسي عن خيارمواصلة الهروب الى الامام والإصرار على المكابرة ورفض الإقرار بالخطاء منذ البداية في التعامل مع ظاهرة الارهاب بعد أن ظلت مختلف الأطراف المعنية تنكر وجود الحركات الإرهابية في بلادنا الامر الذي قد يكون منح تلك الأطراف مزيد الوقت وسمح لها بتنظيم صفوفها و تجميع أسلحتها وذخيرتها الى أن يحين موعد إخراجها لتنفيذ جرائمها في حق هذا الشعب... من الواضح أن كل هذه السيناريوهات الماثلة للعيان اليوم لم تكن واردة في أذهان المسؤولين المتمسكين بالفوز الانتخابي، ولو أنه تم اعتماد الخبرات والكفاءات الوطنية في مجالاتها بالطريقة الصحيحة لأمكن لتونس تجنب الكثير من الخيبات وربما تحقيق المعجزات، ولكن للأسف وبعد أن كان التونسي يفاخر بأن تكون بلاده سويسرا افريقيا بات الخوف يعتريه من أن تتحول البلاد الى صومال جديد... فلا تقولوا ان الاعلام يبالغ ويستهين بجهود المسؤولين بل قولوا ان الإرهاب والإرهابيين يحاصروننا وأن علينا تدارك الامور والنزول من الابراج العاجية وتجاوز المصالح الذاتية ولو الى حين واستعادة الوعي المفقود والتوقف عن العبث والتهريج الحاصل وتكريس ثقافة المسؤولية والتوبة والسعي لكسب ثقة الرأي العام المفقودة لان حجم التحدي اليوم أمر لا يمكن التقليل من شأنه...