إن مهمّة النّاطق الرّسمي باسم رئاسة الجمهورية عدنان منصر تبدو شبه مستحيلة. فمهمّة الرجل ومنذ أن تم تعيينه في منصبه في بداية 2012 تتمثل وكما تبدو للملاحظ في محاولة التخفيف من أضرار تصريحات رئيس الدولة المنصف المرزوقي الذي وجب الإعتراف بأنه من أكثر الرؤساء في العالم خروجا عن قواعد البروتوكول ومن أقلّ الرؤساء في العالم التزاما بمنطق الدولة وبمنطق المسؤوليّة السّامية التي تقلدها على اثر انتخابات 23 أكتوبر 2011 التي تحالف فيها مع حزب حركة النهضة وحزب التكتل من أجل العمل والحريات. وإذا ما أضفنا إلى صعوبات التعامل مع شخصية مثل شخصية الرئيس المنصف المرزوقي الذي على ما يبدو لم يستطع التخلص من جلباب الحقوقي والمناضل واستبداله بلباس رجل الدولة, إذا ما أضفنا لها الصلاحيات القليلة الممنوحة له كما ضبطها التنظيم المؤقت للسلط الذي تمت المصادقة عليه بالمجلس الوطني التأسيسي مما يجعل فرص اشعاع رئاسة الجمهورية ضعيفة جدا، نفهم في أي بحر يجدف الناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية. صحيح عرف البعض من رؤساء الدّول بزلاّت اللسان ونذكر على سبيل الذكر الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش كما عرف البعض من الأمراء في الخارج بتدخلاتهم غير الرشيقة وقد اشتهر بذلك مثلا زوج الملكة إليزابيت فإنه نادرا ما نجد شخصية شبيهة بشخصية المنصف المرزوقي في ردود أفعاله وفي مواقفه الغريبة وفي أغلب الأحيان غير المنتظرة أو غير المتوقعة وفي أحيان كثيرة تكون سببا في جدل كبير. وكنتيجة لذلك نجد أن عدنان منصّر ما فتئ ومنذ تقلده منصبه يضاعف من الحيل ويبحث عن الصيغ وعن الكلمات والجمل التي تخفف من وقع هول تصريحات رئيس الدولة التي تفلت من عقال البروتوكول وأحيانا من المنطق ككل. وفي كل مرة تقريبا يترك الرئيس المرزوقي الجميع في التسلل وعلى رأسهم طاقم المستشارين والمساعدين الذين يدورون في فلكه. حدث في مرات كثيرة أن ترك صدمة في صفوف حلفائه السياسيين وفي كل مرة يسارع عدنان منصر إلى محاولة جبر ما تكسر ونكاد نراهن على أنه هو في حد ذاته غير مقتنع بما يقوله لتبرير تصريحات ومواقف رئيس الدولة. لأن بعض التصريحات لا يمكن أن نبررها أو نمرّرها مهما كانت فصاحة اللسان ومهما كانت القدرة على الدمغجة وعلى تمرير ما يصعب بلعه. لنضرب على ذلك مثال التصريحات التي طلع بها المنصف المرزوقي على التونسيين أثناء تدخله بالحوار الوطني وموقفه الأخير والشهير من الطالبات المنقّبات وتشجيعه على مخالفة المجالس العلمية في تعارض تام مع قرار هذه لمجالس العلمية بالجامعات التي ترفض مشاركتهن في الإمتحانات وهن ترتدين النقاب. وطفق عدنان منصر بعد الزوبعة التي أثارتها تصريحات الرئيس في الأوساط الجامعية ولدى المجتمع المدني إلخ, طفق يكرر ما كان سبقه إليه المنصف المرزوقي ويقول أنه لا يفهم كيف يتم التمييز بين التونسيين على أساس اللباس. عدنان منصر الأستاذ المحاضر والباحث المتخصّص في علوم التاريخ والمتخصّصون في هذا المجال هم في العادة من أكثر النّاس انفتاحا على العالم وعلى حضارات العالم لا نخاله يقصد جيّدا ما قاله. فإن كان لا يقبل التمييز على أساس اللّباس فإننا نتصوّر كنتيجة لذلك أن يقبل السلوك المناقض واللّباس الغريب أي كان نوعه وشكله بالجامعة. ولا نتوقع منه وهو الجامعي والعارف بآداب الجامعات وبقوانينها وأخلاقياتها أن يقنع وهو يدافع عن مواقف وتصريحات رئيس الجمهورية المتعارضة تماما مع ذلك والمتعارضة مع المنطق كذلك. إلى أي حد إذن يمكن أن يمضي في مهمته وإلى أي حد يسمح له طموحه السياسي أن يواصل في مهمة تجميل المواقف والتصريحات الصادرة عن الرئيس المرزوقي وهي مهمة شبه مستحيلة استنادا إلى ما سبق إن لم نقل أنها مهمة مستحيلة.