اختلافات جذرية ميزت العلاقة بين شقي التيار السلفي ونعني بذلك "السلفية الجهادية" و"السلفية العلمية" لعل أهمها موقفهم من مسائل الحكم بغير ما أنزل الله -أي بالقوانين الوضعية-، وتكفير الحكام ونعت الامنيين ب"الطواغيت"، ناهيك عن الجهاد في تونس. يسعى كل طرف الى نشر فكره بين الناس انطلاقا من المساجد خاصة تلك التي لا تزال عصية السيطرة على منابرها على وزارة الشؤون الدينية، وذلك من خلال توزريع مطويات تتناول عدد من المواضيع الدينية او مناشير تحمل اقوال لمشائخ كل شق منهما في مسائل خلافية على غرار الموقف من رجال الامن ونعتهم ب"الطواغيت" وتوصيف ما يدور في جبل الشعانبي، او من خلال المواقع الاجتماعية صفحات "الفايس بوك". فهل هي بمثابة "الحرب الباردة" بين الطرفين الابرز في التيار السلفي؟ وكيف ستكون نهايتها؟ وما هي عواقبها على المجتمع؟ تحرّم "السلفية العلمية" الخروج عن الحاكم ولو كان ظالما وهو شق دعوي بالاساس غير منظم في احزاب او جماعات تنظيما هرميا متماسكا مثل بقية فصائل الحركة الإسلامية، بل هو في شكل مجموعات موزعة على عديد المساجد. اما السلفية الجهادية الممثلة اساسا في "أنصار الشريعة" فهي لا تؤمن بالديمقراطية ولا تعترف بمدنية الدولة لانها تعتبر ان الدولة المدنية هي فصل للدين عن السياسة والحكم والتشريع وجعله في أماكن العبادة لا غير في حين أن الإسلام يتدخل في كل مناحي الحياة. أحداث ومواقف.. سعى كل شق من هذين الطرفين مؤخرا الى التعبير عن موقفه من احداث العنف والارهاب وموقف الشرع منها مستندين في ذلك على اقوال لمشائخ كل طرف ومستعينين في ذلك بمطويات ومناشير وزعوها على عدد من المساجد كطريقة للردّ على بعضهما البعض. تحت عنوان "السلفيون بريئون من الاعمال الارهابية" وزعت انصار السلفية العلمية مؤخرا بعدد من مساجد البلاد مطوية يتحدث فيها الشيخ "أحمد بن يحيى النجمي" عما اسماهم بإهاربيي هذا الزمان أولئك "الذين يلبسون الاحزمة الناسفة او يقودون السيارات المفخخة فاذا وجدوا مجموعة من الناس فجر اللابس نفسه او فجر سيارته ونفسه، وهذا امر ينبني على الخيانة، فالاسلام بعيد كل البعد ولا يقرّه أبدا.. فمن المعلوم ان الاسلام بريء من هذه التصرفات الهوجاء الرعناء وانه ليشجب فاعليها وينكر افعالهم". ويتابع النجمي قوله: "ان الذين يتهمون السلفيين بالتفجيرات والتي تشتمل على قتل الأنفس وإتلاف الاموال وإراقة الدماء وإخافة الناس والخروج على الدولة.. هم اصحاب تنظيم القاعدة الذين يتبعون اسامة بن لادن والمسعري وسعدالفقيه وامثالهم لان هؤلاء تربوا على كتب المكفرين من امثال السيد قطب ومن معه في هذا المنهج الخاطئ الذين يكفرون أمة محمد صلى الله عليه وسلم بغير حق بل يكفرون بالمعاصي والمعاصي لا يسلم منها اأحد". واستند النجمي في اقواله ورأيه الى آيات قرآنية وأحاديث نبوية. في المقابل.. وردا على هذه المطوية سعى انصار الشق الثاني الى الرد على ما وزع من قول مس خاصة زعيم تنظيم القاعدة في حديث الشيخ النجمي، حيث وزعوا بدورهم مناشير بنفس المساجد تقريبا تحت عناوين "اقوال بعض العلماء والمشايخ في اسامة بن لادن رحمه الله" مشددين على انها رسالة للرد على ما اسموهم ب"القادحين والحاقدين"، وفيها جمعوا اقوالا لمشائخ يعددون خصال بن لادن. كما وزعوا رسائل تحت عنوان "تحذير العلماء والدعاة من فرقة الجامية او المدخلية" (والمقصود بهذه الفرقة هي السلفية العلمية). وتاتي هذه الخطوة في اطار الرد على ما تم نشره من مطويات من قبل السلفية العلمية وكانهم بذلك في "حرب" استقطاب للمصلين الذين يرون تارة في العميات التفجيرية للقاعدة وزعيمها اسامة بن لادن ارهابا، وطورا يقرّون تمجيدا له متهمين الاخرين بالتجني على احد رموزهم. وبين هذا الراي وذاك ضاعت بوصلة المصلين الذين اعتقدوا في يوم ان ما قام به بن لادن عمل إرهابي ليزول اعتقادهم في اليوم الموالي حيث أقرّوا لهم بالبطولات من خلال رأي المشائخ. تنتقل المعركة احيانا بين الطرفين الى الفضاء الافتراضي تحديدا الى المواقع الاجتماعية "الفايس بوك" حيث تستعرض صفحات كل جهة ما لديها في جملة من المسائل. كما يقع استغلال هذه الصفحات لنشر افكارهم وعقيدتهم. وما يمكن ملاحظته في هذا الباب هي كثرة الصفحات لهذا الشق او ذاك. تمويل.. عواقبها.. نهايتها اول سؤال يمكن ان يطرحه زائرو المساجد ممن تحصلوا على هذه المناشير والمطويات يتمحور حول كيفية تدبر الاموال لطبع العشرات من هذه الاوراق والمطويات؟ سؤال توجهنا به لعدد منهم حيث اكد لنا بعضهم ان منتسبي كل فكر يقومون بجمع تبرعات للتكفل بمصاريف الطبع، فيما ذهب آخرون الى القول بوجود اجتهادات لاشخاص بعينهم تكفلوا بعملية البحث عن المعلومة وطبعها ثم نشرها وتوزيعها. كيف ستكون نهاية هذه "الحرب الباردة" بين "السلفيتين"؟ وما هي عواقبها على المجتمع؟ سؤالان سيظلان مطروحين الى حين تضع الحرب أوزارها ويفتح باب الحوار بين الطرفين وغيرهما من التيارات الاسلامية في البلاد في شكل مناظرات حتى يستجلي العاميّ الحق من الباطل ومما يطرح حاليا على الناس من مسائل فقهية وعقائدية اختلف فيها الكثيرون.