جلست قبل ايام الى مسؤول متقاعد من مؤسسة الديوانة التونسية.. شملت الدردشة بيننا ملف التهريب في تونس.. والتهريب يعني بدرجة اولى مؤسستي الديوانة ووزارة التجارة.. ومصالح ادارية تتداخل خدماتها مع مصالح شبكات التهريب التي انتشرت في كل مكان.. واصبحت تهرب كل شيء عبر بواباتنا البحرية والبرية والجوية: من الحليب والمواد الغذائية الى الاسلحة والمخدرات.. خاطبت صاحبي مازحا: انتم في الديوانة تتحملون المسؤولية الاولى في انتشار التهريب.. و"الاسواق الموازية".. التي اصبحت في كل الاحياء والشوارع والمدن.. وتبيع كل شيء باسعار"تخرب اقتصاد البلاد" ودمرت الاف المصانع والشركات التي تدفع الضرائب.. والتزاماتها لدى الصناديق الاحتماعية.. ضحك صاحبي ورد بسؤال استنكاري: هل تعلم لماذا استفحل التهريب في السنوات الماضية وخاصة خلال العامين الماضين؟ رددت عليه بدوري بسؤال: لماذا؟ فمضى يوضح قائلا: لانكم(؟) معشر الصحفيين وقعتم في فخ المهربين والمتحيلين على الديوانة.. قلت: كيف تحملون التهريب ايضا الى الصحفيين؟ حتى متى سيبقى الصحفي "الحمار القصير" الذي يلقي عليه الجميع"اوزارهم"؟ فرد ضاحكا: غلطة الصحفيين الكبيرة انهم يركزون منذ عامين حديثهم عن معضلات الفساد القديمة.. وعلى مشكل 400 حاوية(كونتنير) موروثة عن مرحلة ماقبل 14 جانفي2011.. ويغمضون اعينهم عن حوالي400 الف حاوية تدخل تونس سنويا.. نعم ما بين 370الف و400 الف حاوية تدخل تونس وموانئ تونس.. وفرص التهريب فيها كثيرة جدا.. وميكانيزمات "المتحيلين" قبل الثورة وبعدها هي نفسها تقريبا.. مع فارق رئيسي هو ان"فاتورة الوسطاء"("الرشوة"؟ ) ارتفعت كثيرا.. كلام صديقي ذكرني بتشكيات سمعتها مرارا خلال الاشهر الماضية من السيدة وداد بوشماوي رئيسة اتحاد الصناعة والتجارة والسيد طارق الشريف رئيس منظمة "كونيكت" عن تشكيات رجال الاعمال من التهريب والاسواق الموازية.. وقبل ايام اقر رئيس الحكومة علي العريض ان ما تحجزه الديوانة من اموال وبضائع مهربة لا يتعدى في كل الحالات عشر كميات الاموال والبضائع المهربة.. اي ان حجز 450 مليون دينار قبل مدة يعني ان قيمة المهرب فاق ال4 مليارات من الدنانير.. فهل من صحوة؟