كعادتها تسلط الأضواء على أكثر الناس شهرة حتى وإن لم يكونوا الفاعلين الأكثر أهمية في الحدث ولم يختلف الأمر بالنسبة للأحداث الأخيرة التي شهدتها ومازالت مدينة اسطمبول بتركيا وتوسعت إلى عدد من المدن التركية الأخرى احتجاجا على سياسة حكومة طيب رجب أردوغان. فقد غطى النّجوم الأتراك على باقي الفاعلين وخاصة الشباب الغاضب. صور هؤلاء النجوم في كل مكان وأقبلت الجماهير في مختلف البلدان العربية تتابع أخبارهم والحقيقة أنهم حققوا انتشارا كبيرا بفضل الدراما التركية التي اقتحمت أغلب البيوت العربية من المحيط إلى الخليج ولا نستثني بطبيعة الحال البيوت التونسية بل على العكس فإن مسلسلا على غرار حريم السلطان الذي تعرضه حاليا قناة نسمة ضاعف وحسب آخر احصائيات المشاهدة في عدد المشاهدين والإقبال على القناة أضف إلى ذلك أن التونسيين يتابعون بنسب كبيرة المسلسلات التركيّة على الفضائيات العربية التي تبثها مدبلجة إلى العربية بل أكثر من ذلك فإن نسبة الإقبال على مواقع الإنترنيت التي تعيد بث المسلسلات التركية بدورها كبيرة وتكفي نسبة الإشهار المرتفعة بهذه المواقع حتى نعرف حجم الإقبال الجماهيري على هذه المواقع. وفي طليعة النجوم التي أثارت اهتمام الجمهور وتم ترويج صورها على صفحات الفايسبوك والتويتر ومختلف مواقع التواصل الإجتماعي نذكر بالخصوص من قام بدور السلطان في مسلسل حريم السلطان ومهند الذي تابعه الجمهور التونسي في أكثر من مسلسل وفريحة ولميس وغيرهم كثيرون. كل هؤلاء حولوا الأنظار إليهم وكثفوا من حجم الإهتمام بالأحداث التركية وبتركيا عموما. وقد اضطلعت الدراما التركية بدور كبير في تقريب هذا البلد من التونسيين ومن العرب عموما الذين نكاد نراهن أن كثيرين منهم صاروا يعرفون ما يجري في المجتمع التركي أكثر حتى مما يجري في بلدانهم. لا نعمم بطبيعة الحال لكن دور الدراما التركية مهم جدا في قضية الحال وله انعكاسات جد إيجابية على ترويج السلع التركية والسياحة التركية إلخ... نجوم الفن سرقوا الأضواء ولاحقتهم عدسات الكاميرا وراجت صورهم في كل مكان وتلهفت الناس على سماع أخبارهم وخاصة إن تم توقيف البعض منهم في زحمة الإعتقالات التي تعرّض لها الأتراك المحتجون بمئات الآلاف وهكذا فقد ضاعف حضورهم في حجم الفضول حول ما يجري في تركيا حتى وإن كان التونسيون سرعان وجدوا خيط رابطا بين ما حدث في تونس وبين ما يحدث في تركيا. الكثير من التونسيين ومن المصريين كذلك ترسخت لديهم قناعة بأن رياح الثورة التي هبت في تونس ثم مرّت إلى مصر حلّت أخيرا بتركيا وقد عبروا عن ذلك من خلال الترحيب بالحركات الإحتجاجية في تركيا في مختلف المنابر خاصة بمواقع التواصل الإجتماعي حتى أنه تم فتح صفحات خاصة فقط بمساندي المحتجين الأتراك. نجوم تركيا الذين لم يترددوا في الخروج إلى الشارع في طليعة المعنيين بسياسة أردوغان وحزبه العدالة والتنمية صاحب المرجعية الدينية الإسلامية إذ تفيد مختلف التحاليل التي تناولت الحدث باهتمام أن الغضب التركي يتجاوز مسألة معارضة قرار الحكومة بإعادة بناء الثكنة العسكرية في قلب ساحة تقسيم باسطمبول مما تطلب الأمر قطع أشجار حديقة منتصبة بالساحة ومن يعرف ساحة تقسيم يعرف أنها من أجمل الساحات بالمدينة فهي غير بعيدة عن المواقع التاريخية الشهيرة وخاصة المتاحف والجوامع وكذلك هي غير بعيدة عن المحلات التجارية التي يرتادها الزوار ومن زار اسطمبول لا بد أنه يحمل ذكرى عن ساحة تقسيم وعن قيمة هذه الساحة لدى الأتراك فأول ما يبادرك به الدليل السياحي هل سبق لك إن زرت اسطمبول وهل تعرف تقسيم. المحللون يصرون على أن الأتراك غاضبون من سياسة التشدد التي تمارسها حكومتهم ومحتجون على ما يسمونه استراتيجية لأسلمة البلاد. وقد صدرت عن البرلمان التركي مؤخرا عدة قوانين زجرية منها نصيب يهم الفنانين وقطاع الفن عموما. لاءات كثيرة رفعت ويبدو أن البرلمان ينوي أن يحشر أنفه باستمرار في المجال الفني وهو ما دفع الفنانين إلى التعجيل بالتعبير عن مواقفهم الغاضبة. وإن قلنا أن النجوم في الواجهة فلأن الأمر يهمهم بدرجة أولى فالمسألة تتعلق بحرية الإبداع وبحرية التعبير خاصة وأنه وكما تناقلته مختلف وسائل الإعلام وأكدته المنظمات المختصة فإن عددا كبيرا من الإعلاميين قابعون في السجون التركية وأن نسبتهم ارتفعت مع صعود أردوغان وحزبه إلى سدة الحكم. الغضب الشعبي في تركيا إذن هو نتيجة تراكمات من الأحداث ومن الممارسات والسياسات التي قرأت على أنها تؤشر لرغبة في الإلتفاف على الحريات مما يدعو للتحرك الفوري لمناهضتها. قد يكون من المهم الإشارة إلى أن المحتجين استفادوا من المناخ الجديد في المنطقة العربية والإسلامية وخاصة الثورات التي شهدتها عدة بلدان عربية. النجوم لم يخرجوا فقط من أجل تسجيل الحضور وإنما من أجل الدفاع عن قضايا جوهرية تهمهم بالأساس ولعلهم اتعظوا مما يجري في عدد من البلدان التي تسمى ببلدان الربيع العربي وعلى رأسها تونس من محاولات للإنقضاض على مكاسب الحداثة وكيف أن هناك محاولات لضرب الحريات وأوّلها حرية التعبير والإبداع في بلدان من المفروض أنها تحرّرت من الديكتاتورية.