تدخل صارخ في سيادتنا الوطنية سجلته أحداث مختلفة في الفترة الأخيرة، بيان السفارة الأمريكية وتصريحات وزير الخارجية الفرنسي ناهيك عن السماح لمحققين من مكتب التحقيقات الفيدرالية للتحقيق مع متهمين تونسيين أحداث لم تكن الأولى من نوعها، فقد سبقتها «مناسبات عدة» «صالت» فيها أطراف خارجية و»جالت» في شؤوننا الوطنية، على غرار تصريحات وزير الداخلية الفرنسي مانيويل فالس بعد اغتيال الشهيد شكري بلعيد، عندما قال انه «يتعين على فرنسا دعم الديمقراطيين في تونس لضمان عدم خيانة القيم التي قامت من اجلها ثورة الياسمين» مرة أخرى تتدخل فرنسا وتطالب هذه المرة على لسان وزير خارجيتها لوران فابيوس -وحتى قبل أن يقول القضاء التونسي كلمته- ب«الرأفة» بثلاث ناشطات أوروبيات بينهن فرنسيتان، من حركة «فيمن» اللاتي قمن بالتظاهر بتعرية صدورهن امام قصر العدالة بالعاصمة التونسية للدعوة إلى حرية أمينة. وقد واجهن لذلك تهمتي «المجاهرة بما ينافي الحياء» و«الاعتداء على الاخلاق الحميدة او الآداب العامة»، وذلك حسب نظر وزير الخارجية الفرنسي ان ما قامت به النسوة الثلاث «ليس بالأمر الذي يستحق عقوبة مشددة». تدخل باسم الديمقراطية السفارة الأمريكية من جهتها قالت في بيانها -الذي نشرته بعد صدور أحكام بالسجن لعامين مع إيقاف التنفيذ على 20 تونسيا متهما في أحداث الهجوم على السفارة الأمريكية في تونس يوم 14 سبتمبر 2012 - ان الحكم «لا يتطابق على نحو ملائم مع جسامة وخطورة الخسائر والعنف اللذين حصلا» يومها. لم يتوقف البيان عند ذلك بل وصل إلى حدّ اعتماد خطاب شديد اللهجة تجاه الحكومة الأمريكية بالقول «انه يجب على الحكومة أن تثبت من خلال خطوات عملية أنه لا يمكن إطلاقا التسامح مع الذين يشيعون أعمال العنف. «وتعليقا على ذلك يقول عبد الله العبيدي المحلل السياسي والدبلوماسي السابق في تصريح ل«الصباح الأسبوعي» «إن السفارة الأمريكية تدخلت في شؤوننا باسم الديمقراطية ولكنها بذلك تتعدى على الديمقراطية» مساس بالسيادة.. أم تعبير عن الرأي؟ النيابة العمومية استأنفت هذا الحكم فعلا وبالرغم من أن وزير العدل نذير بن عمو أكد أن ذلك تم قبل بيان السفارة وليس نتيجة لضغوط أجنبية، فإن العبيدي يقول ان الأمر الذي من المفترض أن يكون سيرا طبيعيا للإجراءات القانونية (الاستئناف) بدا نزولا عند رغبة الأمريكان وهو أمر يسيء إلى صورة تونس، ويضيف الدبلوماسي السابق أن بيان السفارة الأمريكية كان يستوجب ردا من وزارة الداخلية بدل وزارة العدل لأن الأمر سياسي وتجاوز بعده القانوني فالمرصد التونسي لاستقلال القضاء كان الجهة الأولى التي ردّت على السفارة من خلال بيان اعتبر فيه أن ما قالته السفارة «مساس بالسيادة الوطنية باعتبار القضاء من أهم مكوناتها» كما استغرب المرصد «عدم تعليق وزارة الشؤون الخارجية أو العدل على ذلك». وبعد أقل من 24 ساعة من ذلك قال وزير العدل في مؤتمر صحفي ان بيان السفارة الامريكية لا يمس من سيادة القضاء، معتبرا أنه لا يعد إلا «مجرد تعبير عن الرأي» تحقيق «إف بي آي» مقابل المساعدات من جهة أخرى، شارك عملاء من ال«إف بي آي» (مكتب التحقيقات الفدرالية) في التحقيق مع التونسي علي الحرزي المشتبه في أنه شارك في الهجوم على السفارة الأمريكية في ليبيا، الهجوم الذي أسفر عن مقتل السفير الأمريكي هناك. وذلك بعد موافقة الجانب التونسي على أن يقدم عملاء مكتب التحقيقات خبرتهم في التحقيق. وقد حذر سيناتوران جمهوريان آنذاك من أن عدم سماح تونس بذلك كان من الممكن أن يساهم في تهديد العلاقات أو إلى قطع المساعدات الأمريكية عن تونس «الدولة التونسية تفككت» تدخل أجنبي متواصل يأخذ أشكالا متعددة اذن أما ردود الفعل التونسية فقد اختلفت، وصلت إلى استدعاء السفير الفرنسي منذ أشهر (على خلفية تصريحات وزير الداخلية الفرنسي) ولم يستوجب الامر بيانا من وزارة الخارجية على خلفية بيان السفارة الأمريكية حول اختلاف ردود الفعل تلك يقول العبيدي ل«الصباح الأسبوعي» ان «الدولة التونسية تفككت»، وأن السلطة ترد الفعل إزاء هذه التدخلات على مقاس الطرف المتدخل، فيقابل التدخل الفرنسي بالصرامة مثلما حدث بعد اغتيال شكري بلعيد في حين يمر بيان السفارة الأمريكية دون ردّ فعل صارم وذلك للارتباط القوي بين السلطة السياسية في تونس والولايات المتحدة. ويرى العبيدي ان الحكومة التونسية تكيف المواقف على مقاس الأطراف المتدخلة فهناك أطراف «تحكم من يحكمونا» فيسمح لها ب«تفصيل سيادتنا كما تشاء» قد تعمد القوى الكبرى إلى التدخل في شؤون دول أخرى، إلا أن المهم في ذلك هو أن تكون ردود الدول التي تشهد مثل هذا التدخل في مستوى حماية سيادتها وهنا تضم الدبلوماسية خطوات عديدة يمكن أن تتخذها الحكومات من أجل الحفاظ على مفهوم الدولة المستقلة واستقلال قضائها، دون أن توتر علاقتها بأيّ كان ودون أن تصبح سيادتها مستباحة