تونس - الصباح الاسبوعي: مئات الأفارقة اختاروا بلادنا وجهة لهم للدراسة أو العمل أو الإقامة بصفة غير قانونية كذلك، إذ يكفيك التجول في مدن العاصمة لتلاحظ مدى تزايد إقبالهم على بلادنا حتى أنهم باتوا ينافسون باعتنا في التجارة الموازية وتجدهم في شوارع العاصمة يعرضون بضاعتهم. هؤلاء الأفارقة الذين يتميزون بسواد بشرتهم عادة ما نجدهم بمفردهم، فنادرا ما تجد إفريقيا مع تونسي والعكس صحيح. فهل يعود ذلك إلى عنصرية التونسي؟ كيف هي علاقة الأفارقة بالتونسيين؟ كيف ينظر الأفارقة إلينا؟ وهل أنهم راضون عن تعامل التونسيين معهم؟ أسئلة عديدة طرحتها "الصباح الأسبوعي" على عدد من الأفارقة المقيمين بتونس. من محطة القطار بالعاصمة نحو نهج شارل ديغول مرورا بنهج جمال عبد الناصر إلى منطقة باب بحر ثمّ الباساج، تجوّلنا ولاحظنا وجود عدد من الباعة الأفارقة الذين يعرضون الأكسيسوارات الإفريقية التي لا تختلف كثيرا عن البضاعة التونسية. بمجردّ الاقتراب منهم وتقديم أنفسنا لهم بصفتنا الصحفية، لاحظنا حذرا كبيرا منهم في التعامل معنا. ففي الوقت الذي رفض فيه البعض التحاور معنا، اشترط علينا البعض الآخر عدم أخذ صورة له أو حتى اعتماد آلة التسجيل الصوتي. وبتجاذب أطراف الحديث مع البعض منهم والسعي مرارا إلى ربط علاقة ثقة معهم، علمنا أنهم يرفضون التحاور معنا بسبب وضعيتهم اللا قانونية. بيار توراي (Pierre Toureille) هو أول إفريقي تحدّثنا إليه، هو أصيل السينغال وهو معتنق الدين الإسلامي، وجدناه جالسا تحت حائط أحد المغازات بنهج جمال عبد الناصر بالعاصمة، يداه على خدّيه وكأنه يحمل هموم الدنيا في قلبه وبضاعته مخبأة في كيس بلاستيكي أسود موضوعة على حدة بجانبه. بمجردّ اقترابنا منه، أدار وجهه رافضا الحديث إلينا بتعلّة حساسية الموضوع. وبعد إصرارنا، أجابنا قائلا: "سؤالكم عن علاقة التونسي بالإفريقي كفيل بأن يبيّن الجانب التمييزي وإقصاء التونسي للإفريقي، فما بالكم بالتمييز المبني على لون البشرة؟". ويواصل بيار حديثه قائلا: "لقد عشت في الجزائر لمدّة 6 سنوات ولم أجد ما وجدته في تونس طيلة 4 سنوات، يؤلمني كثيرا أن يقول لي البعض من التونسيين (عودوا إلى بلادكم)، يؤلمني أن أعامل هكذا في بلد يقدّم نفسه على أساس أنّه مسلم؟ هل هذه سمات المسلم، أيّ إسلام يدّعون؟". ولدى سؤالنا له عن أسوإ حدث عاش خلاله التمييز العنصري، قال: "سرقت من بضاعتي قلادة، ولما تفطّنت لسارقها طلبت منه إعادتها لي لكنه رفض فحاولت استعادتها، إلا أني فوجئت بتجمعّ عدد من التونسيين بي وأشبعوني ضربا، فيما تكفل البعض الآخر بافتكاك جزء من بضاعتي وهم يصرخون ويشتمونني، ولكن أحمد الله أن لدي بعض الأصدقاء من التجار التونسيين الذين يخشون الله وساعدوني في استعادة بضاعتي، فالله وحده أعلم بالمعاناة التي أعيشها". وشاطره في ذلك آدم تيارو (Adem Tierro) من السينغال أيضا، فقد قال ل"الصباح الأسبوعي": "جئت لتونس منذ 4 أيام للسياحة ولذلك لا يمكنني أن أحكم كثيرا على طباع وسلوك التونسيين، ولكن ما لاحظته في هذه الفترة القصيرة دون تعميم طبعا أن التونسيين عنصريون، يمكن أن أنتظر العنصرية من مغربي أو جزائري ولكن أن أقابل تونسيا عنصريا هذا ما لم أنتظره صراحة". ينظرون إلينا ك"عاملات جنس" نحن أيضا فوجئنا بنظرة الأفارقة إلينا كتونسيين ولم نكن نتصوّر أيضا أن التونسيين عنصريون بالدرجة التي تحدثّ عنها من قابلناهم من الأفارقة، وبتوجهنا نحو منطقة باب بحر علنّا نقابل بعضا من الأفارقة، لاحظنا أربع إفريقيات تتراوح أعمارهنّ بين ال25 و35 سنة يصرخن ويعربن عن اشمئزازهن وعدم ارتياحهنّ. تردّدنا للحظات قبل التوجه إليهنّ نظرا للعصبية التي بدت على وجوههن، وبمجردّ سؤالنا لهنّ عن علاقتهن بالتونسيين حتى انفجرن من الضحك ظنا منهن أن طرحي للسؤال ناتج عن استماعي لمحادثتهنّ، فعلمت حينها سبب غضبهنّ. فقد أعربت شمس باتريك (Shems Patrick) عن استيائها من معاملة التونسيين لهن خاصة للفتيات، قائلة: "معظم التونسيين ينظرون إلينا على أساس أنّنا عاملات جنس وأننا نغري الذكور للحصول على الأموال". وذكرت شمس أنها تعرضّت لحادثة لا يمكن أن تنساها، قائلة: "كنت مع صديقتين لي نتجوّل مساء بأحد شوارع العاصمة، فإذا بشابين يلاحقاننا متسائلين: "كم تردن أن ندفع لكنّ؟" ، وتواصل متسائلة: "ألا يؤلمك هذا لو كنت مكاني، ما هذا الهراء، أنا هنا لأدرس وعائلتي من الأثرياء". وبإشارتنا إلى بعض الأفارقة الذين يتبعون ذلك السلوك، قالت شمس: "ما ذنبي أنا في أن أتحمل مسؤولية غيري؟" فقاطعتها صديقتها قائلة: "شخصيا، لا أستغرب عنصرية التونسيين مع الأفارقة لأني لاحظت عنصرية التونسي الأبيض تجاه أخيه التونسي أسود البشرة". شيء مخجل أن تكون تلك نظرة الأفارقة إلينا، فمعظم من التقينا بهم تقريبا أجمعوا تقريبا على عنصرية التونسيين وسوء معاملتهم لهم من أول وهلة وربما بدا ذلك مبالغة منهم، فهم لا يحتكون بالتونسيين بسبب وضعيتهم اللا قانونية، فخيّرنا التوجه نحو عدد من الجامعات الخاصة التي تشهد إقبالا من الطلبة الإفريقيين. بين حجارة الأطفال وشتائم الكبار! التقينا بين الطلبة بمن هم أبناء ديبلوماسيين أفارقة والذين أعربوا بدورهم عن استيائهم من معاملة التونسيين لهم. فخلال لقاءنا مع Alex Franc (طالب في تونس من الكامرون)، قال:"الإقصاء من قبل التونسيين نعاني منه على جميع المستويات، فلديهم نظرة دونية إلينا، هم يروننا غير مثقفين ويتحاشون الاحتكاك بنا، هم لا يعلمون أن أولياءنا يشقون كثيرا ويحرمون أنفسهم لتوفير ما نحتاجه، هم غير ملمين بالظروف التي نعيشها هنا فنحن نعاني من غلاء المعيشة في تونس، ومع ذلك نقضي أياما دون طعام لندرس، هم يحتقروننا للون بشرتنا، يحتقروننا لمظهرنا ولباسنا.. والأكثر من ذلك أبناؤهم يضربوننا بالحجارة ويشتموننا بأسوإ العبارات السوقية التي بتنا نفهمها". موقف Alex لم يكن منفردا، فقد شاطرته في ذلك سارة عيسى (طالبة من مالي)، قائلة: "لا يهمني إن كان التونسيون يرفضون التعامل معنا، لا يهمني إن كانوا يكرهوننا ولكن ليدعونا نعيش بسلام، نحن هنا لندرس، سئمت حجارة الأطفال وشتائم الكبار، أنتظر بفارغ الصبر أن أعود لبلادي، كفانا احتقارا وإهانة". لكن يبدو أنّ التمييز العنصري الذي يمارسه التونسيون تجاه الأفارقة "السود" لا يقتصر على الشتائم والحجارة وإنما وصل إلى حدّ الترفيع في أسعار تأجير الشقق لهم، فقد أردفت محدّثتنا قائلة: "أسعار تأجير الشقق إلينا مرتفعة مقارنة بأسعار تأجيرها للتونسيين، ومع ذلك يجب أن أقرّ بأني لا أعيش هذا التمييز بالجامعة ربما لأن معظم الطلبة أفارقة". من جهته، استنكر أيوب عيسى (مالي) عنصرية التونسيين، قائلا: "نحن نعيش عنصرية مضاعفة الأولى من الأوروبيين والثانية من قبل إخوتنا التونسيين". كما أعرب Chaubert Poli من الكونغو عن استيائه من التونسيين، قائلا بعصبية شديدة: "لاحظت أن معظمكم منافقون، حتى إن قبلتم التحدث إلينا فأنتم ستشتموننا بمجردّ مغادرتنا المكان، وأنا بتّ أحقد على التونسيين فلدي بعض الأصدقاء الذين زاروا بلادي مالي وكانوا لا يفارقونني سررت صراحة بصداقتي لهم، لكن ما أن عدنا إلى تونس حتى باتوا يتهربون مني". ولسائق التاكسي نصيب أيضا! إن من تحدّثنا إليهم أكدّوا أن معظم التونسيين عنصريون، حتى بعض سواق التاكسي عنصريون أيضا لأن بعضهم يرفض التعامل مع إفريقي أسود وقد لاحظنا ذلك بأنفسنا. فثلاث نساء إفريقيات انتظرن لمدّة نصف ساعة تقريبا الركوب في تاكسي ولم يرض أحد نقلهم، حتى إن توقفّ لهم أحدهم يسألهم إن كانوا تونسيين أو لا وبمجردّ تفوّههم بالعبارة الأولى يغلق شباك سيارته وينطلق مسرعا، وهذا لاحظناه بأنفسنا. ورغم الإقرار بعنصرية التونسيين من قبل من تحدّثنا إليهم، فإنّ الصديقين توم وسارة آندو من مالي صرحّا بأن التونسيين الذين يتمتعون بمستوى ثقافي جيد لا يقصونهم باستثناء البعض نافيا أن يكونا قد تعرضا إلى تمييز عنصري، فقد قال توم: "من جهتي أتفادى قدر المستطاع الاحتكاك بالتونسيين لأني عصبي المزاج ولا أريد الخوض في مشاكل". إنّ تونس تعتبر أول دولة ألغت الرق والعبودية في عام 1846 في عهد أحمد باي، وقد كانت سباقة في منع العبودية بهدف نشر المساواة والعدل، واليوم يقال عن التونسيين أنهم عنصريون. فهل يليق بتونس التي تدافع عن حقوق الإنسان إلى اليوم وحرصت على نشر المساواة في عهد البايات أن ينظر إليها ك"عنصرية"؟ ما ذنب شخص خلق أسود؟ وأين هم الأولياء عندما يرمي أبناؤهم الأفارقة بالحجارة؟ ومع ذلك تجدر الإشارة إلى أنه لدينا في تونس من يحترم الآخر مهما كان جنسه أو لونه أو جنسيته. روبرتاج: خولة السليتي
مختص في علم النفس الاجتماعي ل«الصباح الأسبوعي»: «الميز العنصري سيبقى مهما فعلنا..والكراهية ستزيد» تونس - الصباح الاسبوعي: في اتصال هاتفي جمعنا بالمختص في علم النفس الاجتماعي مراد الرويسي للتطرق إلى عنصرية التونسي، أفادنا أنّ الميز العنصري ظاهرة قديمة قدم الإنسان ناتجة عن اختلاف ثقافات الشعوب والأمم خاصة المجتمعات التي تعيش عزلة. واعتبر الرويسي أنّ الميز العنصري رغم وجوده إلى اليوم فإنه شهد تقلصا بفضل نمو المستوى الثقافي وبفضل وسائل الاتصال والتكنولوجيا التي ساعدت على التخلص من هذا السلوك الإقصائي. وأضاف محدّثنا قائلا: "الميز العنصري ليس حكرا على التونسيين فأعظم الدول تقدما وديمقراطية تعاني من هذه الظاهرة وأؤكّد أنّ هذا السلوك الإقصائي سيبقى مهما فعلنا، والكراهية ستزيد". وقال المختص في علم النفس الاجتماعي: "في تونس على المستوى النظري لدينا ثقافة ودين يشجّعان على قبول الآخر مهما كان مختلفا عنا، لكن على المستوى التطبيقي لم نتشبّع بعد بقيمة الإسلام". وشدّد محدّثنا في هذا الصدد على دور الأسرة والمدرسة في التخلص من هذا السلوك الإقصائي، قائلا: "الأسرة والمدرسة خاصة يلعبان دورا مهما في التخلص من هذا السلوك، فالمعلم قدوة التلميذ ويكفي الإشارة هنا إلى سلوك بعض المعلمين الذين يضعون التلميذ الأشقر في الصفوف الأمامية ويوليه عناية خاصة، هو يكرّس بذلك دون أن يدرك ميزا عنصريا في سلوك التلميذ". ونبهّ الرويسي من اعتماد بعض العبارات على غرار "لوصيف" و"الكحلوش" لما لها من تأثير سلبي في تكريس الكراهية والحقد.