دعا المفكر والفيلسوف الايراني الدكتور محسن الأراكي في حديث ل»الصباح»، العالم الى التفاعل ايجابا مع نتائج الانتخابات العامة في ايران والتي أسفرت عن اختيار الزعيم الاصلاحي والمفكر والديبلوماسي الدكتور حسن روحاني رئيسا جديدا.. واعتبر الدكتور الأراكي تعقيبا على سؤال «الصباح» أن «اختيار الغالبية الساحقة من الشعب الايراني للاصلاحي حسن روحاني رئيسا جديدا بعد 8 أعوام من حكم المحافظين ( «المبدئيين» حسب التسمية الايرانية) يؤكد ايمان الشعب الايراني بالتداول على السلطة.. وبجدية الانتقال السلمي للسلطات بين من يتبنون وجهات نظر مختلفة في خدمة شعبهم ومصالحه الوطنية العليا.. ومن يختلفون في الأساليب والأشكال وبعض السياسات الداخلية، لكنهم يجمعون على الولاء للوطن ولأولوياته وثوابته التي رسمتها ثورته الشعبية التاريخية منذ 34 عاما بزعامة آية الله خامنئي.. ما الذي سيتغير؟ وما الذي سيتغير بعد انتخاب الرئيس الثامن في تاريخ الجمهورية الاسلامية الايرانية؟ الدكتور محسن الأراكي -الذي كان سابقا قد أسس المركز الإسلامي في لندن- عقب على سؤالنا قائلا: «السياسات في ايران ترسمها مؤسسات عديدة غالبيتها منتخبة.. والانتخابات التي جرت قبل أيام هي ال34 في تاريخ ايران ما بعد الثورة.. وهي الانتخابات الرئاسية الثامنة، بخلاف ما هو عليه الامر في الأنظمة الوراثية الملكية والاستبدادية».. وتوقع آية الله محسن الأراكي أن تنجح القيادة التي افرزتها انتخابات الاسبوع الماضي في توجيه رسائل جدية للعالم حول إيمانها بالسلام والأمن وحرصها على الحوار وتجنب جر المنطقة نحو الحروب والاقتتال والصراعات الطائفية والمذهبية والعرقية التي تحاول بعض الاوساط الصهيونية والاستعمارية جر شعوبنا إليها حتى تنشغل بها عن نضالاتها من أجل التنمية والتحرر وإنهاء احتلال القدس وفلسطين وبقية الاراضي العربية المحتلة وبينها الجولان السوري».. «ساندنا ثورة الشعب السوري ولكن...» وكيف يفسر مثقف وعالم كبير مثل الدكتور محسن الأراكي وقوف طهران الى جانب نظام بشار الأسد المتهم من قبل شعبه ومعارضيه بالتورط في قتل حوالي 90 ألف مواطن غالبيتهم من المدنيين.. بسبب مشاركاتهم في مسيرات سلمية للمطالبة بالتغيير والاصلاح؟ كيف تتمرد ثورة مثل الثورة الايرانية على مبادئها فتساند نظام بشار وتضغط على حلفائها حتى يساندوه (مثل «حزب الله» اللبناني)؟ مخاطبنا أورد أن طهران ساندت أول الأمر الثورة السلمية الشعبية في سوريا وقبلت بحق الشعب السوري في تغيير رئيسه.. والتقت عددا من زعامات المعارضة السلمية للنظام، لكنها أعادت النظر في موقفها «لما تدخلت قوى اسرائيلية واستعمارية وأطلسية على الخط ودفعت سوريا نحو العنف والاقتتال.. وتأكد تورط قوى اقليمية ودولية في المذابح المرتكبة داخل سوريا.. الى حد الضغط على فصائل المقاومة الفلسطينة واللبنانية واجبارها مع مئات الآلاف من المدنيين السوريين واللاجئين الفلسطينيين الى الفرار من سوريا».. ولاول مرة منذ عقود كان من بين نتائج أعمال العنف المدعومة اسرائيليا وأطلسيا فرار غالبية زعامات الفصائل الفلسطينية المستقرة منذ عقود في دمشق.. وكان من بين المغادرين زعامات حركتي «حماس» و»الجهاد» الفلسطينيتين المطاردون إسرائيليا.. واعتبر آية الله محسن الأراكي ان «ايران تقف الى جانب الشعب السوري في ثورته السلمية.. لكنها تقف الى جانب دولة سوريا وكل دول المنطقة عندما يكون المعتدون من إسرائيل وحلفائها الاقليميين والدوليين..». وتمنى آية الله الأراكي «أن تلتزم كل قيادات الاحزاب السورية واللبنانية والفلسطينية بمجموعة الثوابت والمرجعيات الوطنية وعلى رأسها الانحياز الى خيار المقاومة وليس إلى خيار التبعية للمشروعين الاسرائيلي والامريكي».. الخلافات بين نصر الله والقرضاوي وماذا عن الخلافات والموجهات الكلامية بين رموز سنية (مثل الشيخ يوسف القرضاوي) وأخرى شيعية مثل الزعيم حسن نصر الله؟ الدكتور محسن الأراكي ذكرنا في هذا السياق بكونه الأمين العام للمنظمة العالمية للتقريب بين المذاهب الاسلامية وأنه من أكثر الحريصين على عدم توريط المسلمين في القرن 21 في صراعات هامشية ذات صبغة مذهبية وطائفية.. واعلن أنه وجه منذ حوالي شهر رسالة إلى الشيخ القرضاوي تقدر رصيده العلمي والمعرفي والنضالي وتناشده عدم التورط في اي مسار يخدم مصالح اعداء الامة مثل افتعال تناقضات بين السنة والشيعة او التهجم على رموز المقاومة الوطنية في لبنان وفلسطين «مثل الزعيم الوطني اللبناني الكبير حسن نصر الله». ومضى الدكتور محسن الأراكي قائلا : «ندعو الشيخ القرضاوي ان يقوم بدوره في الوساطة بين المسلمين وفي معالجة معضلاتهم ..حتى لا تصبح جينيف بديلا عن اتحاد علماء المسلمين.. وقد وجهت له منذ مدة رسالة أناشده فيها أن يلعب طوره التاريخي وأن يظل وفيا لنضالاته ويساهم في التقريب بين المذاعب الاسلامية والفرقاء وان لا يكون طرفا في النزاعات الهامشية التي تضر كل المسلمين سواء كانوا سنة أو شيعة.. وإذا حصلت أخطاء فينبغي إصلاحها من قبل شخصيات في حجم العلامة يوسف القرضاوي ورفاقه في اتحاد العلماء المسلمين.. لكن على الشيخ يوسف القرضاوي وغيره أن يقبلوا بأن هناك اختلافات في تفسير ما يجري في سوريا.. البعض يعتبره ثورة شعبية ويحمل النظام وحده مسؤولية القتلى والجرحى والتدمير، والبعض الآخر يعتبر سوريا وقيادتها ضحايا دعمهما طوال عقود للمقاومتين الفلسطينية واللبنانية في وقت كانت فيه عواصم عربية قد دعمت العدوان الاسرائيلي على غزة في 2008 وعلى لبنان في صائفة 2006». وتوقع الدكتور الأراكي «أن تنتصر إرادة الحوار والتقريب بين السنة والشيعة على دعاة الفرقة والصدامات الداخلية التي تحاول تضخيم تناقضات ثانوية واحياء خلافات فكرية بعضها يعود الى ماقبل ألف سنة».