عبّر مختلف ضيوف الجلسة الممتازة للمجلس الوطني التأسيسي المنعقدة صباح أمس بقصر باردو والمخصصة للشروع في النقاش العام لمشروع الدستور عن آمالهم في التوصل إلى التوافق المطلوب بين مختلف الفرقاء السياسيين حول مضامين الدستور. وقالوا ل"الصباح" إن التوافق مهم للغاية حتى يكون الدستور، دستور كل التونسيين.. وحتى تتجاوز البلاد المرحلة الانتقالية الصعبة في أحسن الظروف. وفي المقابل ورغم ترديدهم معا النشيد الوطني الذي يبعث قشعريرة في الأجساد، تباينت مواقف نواب المجلس، إلى حدّ تبادلهم التهم، واختلط الحابل بالنابل خلال هذه الجلسة الساخنة، إذ بمجرد أن ختم الدكتور مصطفى بن جعفر رئيس المجلس كلمته التي توجه بها إلى الشعب والنواب والضيوف من المجتمع المدني والسياسي، ساد التوتر أرجاء القاعة، وعبر نواب من المعارضة عن رغبتهم في قراءة بيان يعبرون فيه عن رفضهم لما وصفوه بعملية تدليس أعمال اللجان التأسيسية، لكن رئيس المجلس أرجأ منحهم الكلمة إلى ما بعد الاستماع إلى الحبيب خضر المقرر العام للدستور في قراءة للجزء الأول من التقرير العام حول مشروع الدستور.. ولكن رغم الضّجة التي أحدثها نواب المعارضة، أصر الحبيب خضر على قراءة تقريره بصوت جهوري غير آبه في البداية إلى هتافاتهم وتشويشهم، وتحدث خلال دقيقة ونصف تقريبا، وعندما استحال إتمام تسيير الجلسة على ذلك النحو، قرر الدكتور بن جعفر رفعها على أمل العودة قريبا إلى ما أسماه "بالمعمعة". وفي تصريح ل"الصباح" إثر هذه الجلسة التي حضرها عدد من المناضلين والنقابيين والممثلين عن بعض جمعيات المجتمع المدني وأعضاء من المجلس القومي التأسيسي، قال المقرر العام للدستور "إن كل ما هناك هو أن محترفي الفوضى أرادوا حرمان الشعب التونسي من الفرح بمثل هذا اليوم التاريخي وأرجو من الله أن يعافيهم". وفي المقابل قالت النائبة نادية شعبان إن نواب المعارضة وغيرهم لم تكن لهم نية مقاطعة الجلسة بل أرادوا فقط قراءة بيانهم لكن رئيس المجلس لم يسمح لهم بذلك. تدليس وينص هذا البيان وفق ما ذكره النائب محمد البراهمي الذي حاول قراءته خلال الجلسة لكن لم يسمح له بذلك على ما يلي: "إن نسخة الدستور التي صدرت في غرة جوان 2013 هي نسخة لدستور أرادت بعض الاطراف فرض قراءتها ورؤيتها، فهي نسخة مخالفة لأحكام النظام الداخلي وخاصة الفصل 104 لكونها لا تترجم أعمال اللجان التأسيسية. لذلك نحن مجموعة من نواب بالمجلس الوطني التأسيسي حرصا منا على الحفاظ على الوفاق الوطني: نعلن رفضنا لعملية التدليس التي مست بأعمال اللجان التأسيسية وبما أتى به الحوار مع المواطنين داخل تراب الجمهورية وخارجها حول الدستور ونحمل المسؤولية كاملة لرئيس المجلس الوطني التأسيسي وللمقرر العام للدستور. ونطالب أن تعتمد نسخة أعمال اللجان المرفقة بهذا البيان في النقاش صلب لجنة التوافقات بالمجلس الوطني التأسيسي، ونؤكد على ضرورة الأخذ بعين الاعتبار التوافقات التي ستنبثق عن المؤتمر الوطني للحوار. وإننا على يقين أن دستورنا يجب أن يكون دستورا توافقيا يستجيب إلى استحقاقات الثورة وانتظارات شبابها حتى يكون دستورا لكل التونسيين والتونسيات". ووزع هذا البيان على وسائل الاعلام مرفوقا بنسخة من مشروع الدستور لكنها بتاريخ غرة جويلية 2013 وهي صادرة عن "هيئة مراجعة الدّستور". ويختلف مضمونها عن النسخة الصادرة بتاريخ غرة جوان المختومة من قبل رئيس الهيئة المشتركة للتنسيق والصياغة (مصطفى بن جعفر) والمقرر العام للدستور. كما شارك نواب المؤتمر نواب المعارضة في عملية الاحتجاج على مشروع الدستور. إذ قال نائب المؤتمر البشير النفزي إنه كان يتمنى ألا يحدث ما حدث، وأضاف: "نحن مع مبدإ الاحتجاج لكن لا نوافق على الانفعال الذي يتجاوز اللزوم". وأوضح في المقابل أن كتلة المؤتمر تتبنى كل ما ورد في البيان. وبدا اختلاف المواقف بين شقين من نواب المعارضة واضحا، إذ لم يعبّر بعضهم عن نفس طريقة الاحتجاج.. وفي هذا الصدد صرح النائب محمود البارودي أنه يختلف مع مشروع الدستور لكنه في نفس الوقت يختلف مع طريقة الاحتجاج التي تمت صباح أمس من قبل العديد من النواب خلال الجلسة الممتازة. وذكر أنه كان بالإمكان تفادي تلك الطريقة خاصة أن كل الأنظار متجهة إلى المجلس إضافة إلى وجود نوافذ وأطر تسمح بالحوار ومزيد من الحوار.. ولا يوافق نواب الحزب الجمهوري وفق تأكيد النائب اياد الدهماني على العديد من المضامين الواردة في النسخة التي أعدتها "هيئة مراجعة الدستور" (غرة جويلية 2013). وفي تصريحات لوسائل الإعلام أثنت محرزية العبيدي النائبة الأولى لرئيس المجلس على موقف بعض نواب المعارضة الذين لم يشاركوا في الاحتجاج (مية الجريبي وأحمد نجيب الشابي ومحمد الحامدي ومحمد قحبيش..) ولكنها وجهت نقدا لاذعا للبقية ووصفتهم بالمصابين بالمراهقة السياسية الذين يفسدون فرحة التونسيين، ونفت وقوع تزوير لأعمال اللجان التأسيسية، وأكدت في المقابل على أن أبواب الحوار مازالت مفتوحة من أجل التوافق وعلى حرصها على اسماع أصواتهم. وفي كلمته بين الدكتور مصطفى بن جعفر رئيس المجلس الوطني التأسيسي أن عملية صياغة الدستور ليست مجرد كتابة فصول بل هي عملية تفاعل وحوار ثقافي واجتماعي وسياسي بين الجميع وترسيخ لمبادئه وقيمه في النفوس. واستدرك قائلا: "قد تحصل بعض الثغرات لكن البناء القويّ يحتاج الى الوقت والصبر. ويمكن أن تقع العديد من الاضطرابات لكن التضحية مطلوبة من الجميع فقدرنا ان يؤسس دستور تونس القادم لبناء قوي ومنيع لدولة القانون ودولة الحقوق والحريات بما يقطع مع الاستبداد والفساد ويحقق اهداف الثورة".. وقدّم بن جعفر تفاصيل ضافية عن مشروع الدستور وعن جميع المراحل التي مر بها ثم عبر خلال الجلسة المسائية التي انعقدت بعد اجتماع مكتب المجلس واجتماع رؤساء الكتل عن حزنه لما حدث خلال الجلسة الصباحية وقال "اننا مسسنا بمصداقية المجلس وهيبته في مناسبة تمت خلالها دعوة شخصيات وطنية اعتبارية شاركت في الثورة الأولى لتحرير البلاد إضافة إلى عدد مهم من الشخصيات الوطنية التي تمثل منظمات هامة في حجمها وتاريخها على غرار الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان وهيئة المحامين وغيرها، أما الأخطر من ذلك فهو الوثيقة التي تم توزيعها (مشروع الدستور بتاريخ غرة جويلية) والتي تتماثل شكلا مع نسخة غرة جوان". وتعقيبا عليه أوضح الفاضل موسى أن المطلوب هو أن يقع الاستئناس بتلك الوثيقة، وأكد أنها ليست دستورا ثانيا كما ذهب إليه البعض. وقال المنجي الرحوي إنه كان من الممكن أن تكون الجلسة جلسة احتفالية ولكن منذ نسخة 22 افريل لم يقع التقدم في النقاش ولم تعد له ثقة في امكانية المضي نحو توافقات جدية. كما ندد بوصف محرزية العبيدي بعض نواب المعارضة بالأقزام.. وقال ان ما قالته هو تحقير للأقزام وطالبها بالاعتذار لهم قبل الاعتذار للنواب، وهو ما فعلته. أما النائب عمر الشتوي فأكد وجود خروقات عديدة واعتبر ذلك عنفا واعتداء على الشرعية.. وعبر النائب هيثم بلقاسم عن أسفه لما حدث في مفتتح الجلسة الممتازة وقال ان كتلة المؤتمر تطالب بعقد جلسة يومية ليلية للجنة التوافقات. وبين الطاهر الاهي ان ما حدث ما كان ليحدث لو اتسع صدر رئيس المجلس لقبول مطلب قراءة البيان، وعبرت سامية عبو عن رفضها للتقرير العام للدستور أصلا. ولكن النائبة منية ابراهيم (النهضة) قالت ان حرية التعبير انتهكت بامتياز عندما منع المقرر العام للدستور من قراءة تقريره.. أما النائب محمد علي نصري فأكد أنه لا يمكن الصمت على تزوير تقارير اللجان ودعا النائب المهدي بن غربية إلى التحقيق في ما إذا كان هناك تزوير أم لا؟ وسمح بن جعفر للنائب مراد العمدوني بقراءة البيان. ودعا للتصويت على جدول الأعمال المتمثل في قراءة المقرر العام للدستور تقريره.. وعندها ساد القاعة مرة أخرى الكثير من التوتر وتعالت أصوات نواب المعارضة رافضة لما وصفوه بالتدليس وأحدثوا ضجة تصمّ الآذان ولكن رغم ذلك قرأ خضر تقريره بذلك الصوت الجهوري المعتاد ولم يقطع كلمته رغم اصرار النواب أنفسهم على ترديد النشيد الوطني دون انقطاع مشددين على مقطع "فلا عاش في تونس من خانها". ثم رددوا شعار "الشعب يريد دستورا ديمقراطيا". و"لا لا للتزوير".. "مسرحية مسرحية والشعب هو الضحية". وفي تقريره قدّم خضر لمحة تاريخية عن التجربة الدستورية في تونس وعن أعمال اللجان التأسيسية وأعمال الهيئة المشتركة للتنسيق والصياغة إلى حين صدور المشروع ثم بسط منهجية العمل التأسيسي، واثر ذلك قرأ مساعده النائب ازاد بادي بقية التقرير.. ومحاولة لمقاطعته ردد النواب أنفسهم شعار "تونس حرة حرة والتجمع على برة". ضرورة التوافق عن رأيها في الأجواء التي سادت الجلسة الممتازة عبرت كلثوم كنو رئيسة جمعية القضاة التونسيين في تصريح ل"الصباح" عن الرغبة الحقيقية في حصول توافق بين الجميع. وقالت إن عدم وجود توافق حول الدستور أمر لا يخدم مصلحة البلاد ولا مصلحة الحكومة الحالية. وفسّرت أن استقرار الأمن وتواصل عمل الحكومة جزء منه مرتبط بالتوافقات. وقالت: "لا أتمنى أن تتشتت المواقف وأن يكون هناك مزيد من التعطيل في إقرار الدستور في صيغته النهائية لأن ذلك سيؤثر على الجو العام الذي يسود البلاد". أما أمين محفوظ الخبير في القانون الدستوري فبين أن ما وقع يوم غرة جويلية هو امتداد لما وقع يوم غرة جوان وأضاف أنه عوضا عن تدارك ما وقع من خلال امتصاص الغضب والوقوف على المشاكل تمّ التمادي في نفس السياسة وهذا لا يخدم العمل التأسيسي والمجلس الوطني التأسيسي. وأضاف: "كنت أتمنى أن أكون شاهدا على يوم تاريخي لكن للأسف هذا لم يحدث ولم يقع احترام رمزية جوان ورمزية جويلية".