احتلال مصر للصّدارة في المجال الفني انتاجا وتوزيعا واعتبارها هوليود الشرق لم يتم عن طريق الصدفة. فالحركة الفنية في هذا البلد العربي كانت ولازالت جزءا من حياة المصرييّن ويتأتّى جانب هامّ من الدخل الوطني من قطاع الثّقافة ومن الفنون والتراث بالخصوص. الفنّ في مصر يجري في دماء الناس والثقافة جزء لا يتجزّأ من النسيج المجتمعي والبلد له تاريخ حافل في مجال الإنتاج الفنّي والثقافي وهو يشعّ على باقي البلدان العربيّة التي ظلت لعقود تقتات على الإنتاج المصري وتحتفي برموز الفن والثقافة في مصر. الإخوان المسلمون الذين تولّوا السلطة بعد أوّل انتخابات تقع بعد انتصار الثورة الشعبيّة لم يفهموا هذه الحقيقة بل على العكس أعلنوا الحرب على الفن وعلى الفنانين وطفقوا هم وأذرعتهم الأكثر تشددا يكفّرون المصريين وينادون بعودة الفنانات إلى البيوت مستعملين سلاح الإغراء والتهديد في آن واحد. الإخوان أعلنوا الحرب على السياحة وتنكّروا لتاريخ مصر العريق وبانت عليهم الرغبة في إعادة كتابة التاريخ بداية من تاريخ انخراطهم في الحياة السياسية. تناسوا أنّ قتل السيّاحة في مصر والتنكّر للحضارات المتعاقبة على البلد التي كان المصريّون يفخرون بها إعلان عن إعدام للوجود المصري. تحت تسميات مختلفة بات المصريّون مدعوّين خلال حكم الإخوان -الذي وضع له الجيش المصري حدّا بداية من مساء الإربعاء - إلى التنكّر إلى كل ما يرمز إلى الحضارات المصرية القديمة وهم بذلك يحاربون التّاريخ المصري ويحاربون الكيان المصري ويحاولون كسر العمود الفقري للبلاد. مصر بلا فن ومصر بلا ثقافة ومصر بلا تاريخ وتاريخ البلاد ضارب في القدم بلا أوكسيجين وإلغاء كلّ ذلك من قاموس المصريين يعني آليا الغاء الكيان المصري وإلغاء الوجود المصري. من هذا الباب نفهم هبة الفنانين المصريين الذين انضموا إلى حركة تمرد التي قاومت الحكم الإخواني في مصر ومن هذا الباب نفهم مسارعة الفنانين في مصر إلى إعلان الثورة على نظام الرئيس المعزول محمد مرسي حتى وإن كان قد جاء عن طريق صناديق الاقتراع. لقد ارتكب الإخوان المسلمون بمصر هفوات قاتلة ولم يتركوا الخيار للمصرييّن. كل النقابات الفنيّة المصريّة تقريبا انضمّت لحركة التمرّد ونسبة عالية من الفنّانين أعلنوا على الملأ تمرّدهم وأعلنوا المقاومة بصراحة. صحيح للفنّان المصري مصالحه ولكنّ حكم الإخوان ساهم بشكل غير مباشر في حشد الكلّ ( المتردد وغير المتردد) ضد مخطّطاتهم وضدّ سياستهم القائمة على تغيير المجتمع قلبا وقالبا بداية بالتنكّر لتاريخ البلاد والقطع مع ماضيها الحضاري وتخريب إرثها الثقافي وتجفيف المنابع أمام الفنانين والمثقفين الملتفتين إلى قيم الحداثة وتهديدهم في وجودهم. الفنانون كبارا وصغارا ونساء ورجالا كانوا في طليعة المنادين إلى الخروج في الشوارع ضد الرئيس مرسي يوم 30 جوان وكانوا في طليعة من خرج فعلا إلى ميدان التحرير بقلب القاهرة لينادوا بإسقاط النظام حتى أننا شاهدنا فنانين طاعنين في السن ويعانون من المرض تحدّوا المخاطر وخرجوا إلى الشارع. لا يمكن حصر قائمة النّجوم التي ساندت حركة التمرد ضد حكم الإخوان ذلك أن مختلف الفنانين من مطربين وموسيقيين وممثلين بالتلفزيون والسينما وفنانين تشكيليين ومخرجين إلخ... أمضوا على لائحة سحب الثقة من الرئيس محمد مرسي وتظاهروا ورأيناهم في قلب المعمعة. الفنانون والمثقفون في مصر في طليعة المشاركين في بناء المستقبل المصري وهو ما يجعل من به خوف من تحويل الثورة المصرية الجديدة عن مسارها الصحيح يشعر بشيء من الإطمئنان. فالمثقف والفنان بالخصوص مبشر بقيم الجمال والإبداع وهو منفتح على الحياة ولا نتوقع ممن يقوم مشروعه على قيم الجمال أن يكون مدمرا للمجتمع والفنان المصري والمثقف المصري والمبدع المصري والمفكر المصري أدركوا قيمة اللحظة. المهم أن تواصل النخبة النيرة المصرية رسالتها فثورة بلا مشروع ثقافي حقيقي ثورة مبتورة وسرقتها هينة ولنا فيما حدث مباشرة بعد انتصار الثورات الشعبية في تونس ومصر ( قبل أن تستدرك أمرها ) وليبيا خير دليل على ذلك.