ريبورتاج : أروى الكعلي المذهب المالكي هو المذهب المعتمد في البلاد التونسية، إلا أن التطورات التي شهدتها الحياة الدينية في تونس ما بعد الثورة أظهرت أشكالا جديدة لممارسة الشعائر الدينية وهو أمر يرى فيه المختصون في مجال علم الاجتماع أمرا طبيعيا بعد الهزات الاجتماعية والسياسية الكبرى، فقد يؤدي الأمر أحيانا إلى تغيير الدين أو المذهب أو حتى الخروج عنه عقب هذه الهزات.. الأمر لا يقتصر على تعدد المذاهب أو التيارات الدينية على غرار صعود التيار السلفي ولكن أيضا بالحديث عن تزايد ظاهرة التشيع.. وقد انطلقت في أفريل الماضي الحملة الوطنية للدفاع عن عقيدة جامع الزيتونة تحت شعار «الزيتونة أشعري مالكي» تؤكد على أنّ جامع الزيتونة سيبقى من أهم مراكز المالكية في العالم إلى جانب جامع القرويين في المغرب الذي يعدّ أقدم جامعة في العالم تعتمد المذهب المالكي والسؤال الذي يمكن أن يطرح هنا هو هل بات التعدد المذهبي أمرا مقبولا في تونس؟ وهل يمكن أن يدفع هذا التعدد في المشهد الديني والسياسي في تونس إلى وجود مذاهب وتوجهات مختلفة داخل بلد تعوّد على وحدته العقائدية والمذهبية؟ «الصباح الأسبوعي» طرحت هذا السؤال على جملة من المواطنين وكانت إجاباتهم مختلفة «التعدد يعني الصراع» التعدد المذهبي يرتبط لدى البعض بالصراع الطائفي والخلافات السياسية التي تصبغ بطابع ديني. عز الدين بن عمر موظف يعتبر أن مثل هذه النقاشات لا تعد أولوية اليوم وهي غريبة عن المجتمع التونسي، وهو متخوف مما يطلق عليه «ظاهرة التشيع» في تونس.. لكن ما يؤرق عز الدين فعلا والعديد من المواطنين على حدّ تعبيره هو المعيشة والأمن أما بقية النقاشات فهي ثانوية ولا طائل منها من وجهة نظره المذاهب أربعة والإسلام واحد اتباع مذهب البلاد يعدّ الخيار الأفضل والأمثل حسبما تخبرنا به الطالبتان سيدة فرجاني ورباب بن حسين كلتاهما ترتديان الحجاب والجلباب ولا تريان في التيارات أو الإيديولوجيات الدينية الموجودة في تونس اليوم خطرا على المذهب المالكي.. تعتبر كلتاهما أن الاختلاف بين المذاهب اختلاف طفيف، فالمرجع يبقى دائما الإسلام وتعدد المذاهب أو التوجهات في نظرهما «لا يعدّ تهديدا للإسلام ففي نهاية المطاف يبقى السلف الصالح هو المرجع للجميع». كما تشير الطالبتان إلى انّ المذاهب لا تختلف كثيرا ولكنها اجتهادات و»يمكن لكل منا أن يرجع إلى مذهبه عند الضرورة في الأمور الخلافية» صابر شاب ملتح يرتدي قميصا أبيض ويضع قبعة على رأسه استوقفناه وسألناه عن رايه في الموضوع فأمدّنا بأنّ المذاهب الأربعة لا تختلف اختلافات جوهرية وأنها تحمل كلها جوهر السنة، ويرى صابر أنّ المشكلة الحقيقية لا تكمن في المذاهب باعتبارها تتفق أكثر مما تختلف وإنّما في ظاهرة التشيع التي أصبحت منتشرة حسب تعبيره خاصة في الجنوب التونسي، «التشيع في رأيه هو التهديد الحقيقي» «الجيل الجديد لا يفقه المذاهب» الشيخ سامي حسين يقف بجبته أمام عربته المملوءة كتبا في الدين والفقه أمام جامع الزيتونة الأعظم ليرى الأمر من زاوية أخرى إذ يعتبر أن الشباب والجيل القادم لن يتبع المذهب المالكي بالضرورة مع وجود تيارات وتوجهات دينية جديدة. وعموما يرى الشيخ حسين أن الجيل الجديد لا يؤمن بالمذاهب ولا يعرف الكثير عن الأيمة الذين كرسوا حياتهم للاجتهاد. الجيل الجديد حسب تعبيره «يكتفي أساسا بالكتاب والسنة دون أن يتعمق أكثر في القراءة عن الدين الإسلامي بصفة عامة». ويشير حسين إلى أهمية المذهب المالكي قائلا «يكفي أن يكون الإمام مالك إمام دار الهجرة» المذهبية والطائفية ظاهرة غير صحية درصاف الكناني وليلى زيتون قد يكونان مثالين مختلفين عما يتوقع الشيخ حسين لمستقبل الشباب في تونس.. هما طالبتان تؤمنان بأن حرية المذاهب والطوائف والانتماءات الدينية أمر مقبول ولكن الأمر يتعلق بمن يدعم حضور هذه المذاهب أو التيارات في تونس -على غرار التيار السلفي- ومن يمولها. وفي نظرهما لا يعد التنوع المذهبي أو الطائفي ظاهرة صحية فالتونسيون كما يقولون سنة مالكيون وسيظلون كذلك دائما.. وكذلك لسعد بكوش وهو مواطن من الجنوب التونسي إذ يرى أن المذهب المالكي هو الأساس وأنه في ظل الظروف الحالية هناك تهديد له.. ويضيف «المذهب المالكي هو مذهب تونس والإمام مالك عاش في المدينة وهو وسطي» الآراء مختلفة، بعض الذين تحدثنا إليهم لا يعرفون خصوصيات المذهب المالكي ولم يقرؤوا عنه أبدا ولكنهم يؤمنون بأنه يجب أن يبقى المذهب المعتمد في تونس.. البعض الآخر يرى أنّ المعضلة الأساسية هي أن يتحول التعدد المذهبي والطائفي في تونس إلى مسبب آخر للصراع كما هو الحال في عدد من بالبلدان الإسلامية الأخرى.. ولكن البعض الآخر يؤمن بأن تعدد المذاهب والطوائف لا يفسد للودّ قضية ففي النهاية كل المسلمين.. مسلمون.. المذهب المالكي ينسب المذهب المالكي إلى الإمام مالك بن أنس الذي ولد في المدينة سنة 93ه/712م، ومن أهم مؤلفات الإمام مالك «الموطأ»، ونقله إلى المغرب عَلِيُّ بن زياد التونسي. وقد تتلمذ على يدي إمام دار الهجرة فاتح صقلية أسد بن الفرات وتبلور مذهبا واضحاً ومستقلاً في القرن الثاني الهجري. أهم أفكاره هو الاهتمام بعمل أهل المدينة، ويمثل 35 % من إجمالي المسلمين وينتشر المذهب بشكل أساسي في شمال أفريقيا وغرب أفريقيا والإمارات العربية المتحدة والكويت وأجزاء من السعودية وعُمان وبلدان أخرى في الشرق الأوسط وكان يتّبع في الحكم الإسلامي لأوروبا والأندلس وإمارة صقلية دكتور في علم النفس الاجتماعي ل«الصباح الأسبوعي» : هناك فراغ روحاني في تونس والتعددية المذهبية والطائفية قادمة أكد دكتور علم النفس الاجتماعي والأستاذ الجامعي في كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية في تونس 9 أفريل سليم قلال في اتصال مع «الصباح الأسبوعي» انه من وجهة نظر علم النفس الاجتماعي التغيرات الاجتماعية ممكنة وواردة خاصة لو أخذنا بعين الاعتبار ديناميكية المجتمع التونسي. وأشار قلال إلى أن الضوابط والمعايير المجتمعية في تونس تغيرت ومن الطبيعي أن يتطور المجتمع إلى تعدد وتنوع للطوائف ولكن المختص في علم النفس الاجتماعي يتساءل عما إذا كان التونسيون يعرفون أصلا خصوصيات المذهب المالكي أو أنهم يتبعونه لأنه المعتمد في تونس، فهناك بصفة عامة ضعف في التكوين الديني وذلك كان خيار النظام السابق الذي أراد صناعة مجتمع استهلاكي صرف.. ويعتبر قلال بأنّه نتاج لهذه السياسة فالمجتمع التونسي يعيش اليوم «فراغا روحانيا» «ماركتينغ ديني» وفي ظل ظهور عدد كبير من التيارات والتوجهات في تونس بعد الثورة يبدو من الواضح أن المسألة لم تعد تتعلق بالجانب الروحي فحسب بل بالبعد المادي أيضا، لذا يعتمد «الماركتينغ الديني» في هذه الحالة بشكل كبير فللباس والمظهر الخارجي دلالة على أهمية الجانب المادي في استقطاب فئة من الشباب إلى توجه معين، حسبما يوضحه قلال ويرى المختص في علم النفس الاجتماعي انه من الطبيعي أن يتغير المجتمع وأن تتعدد المذاهب والطوائف والمرجعيات الدينية ولكن كل ذلك مرتبط بنجاح العملية الديمقراطية ما يضمن وجود مجتمع ملوّن ومتعايش، إلا أن ذلك يتطلب إرادة سياسية ووعيا مجتمعيا بأن الاختلاف لا يعني بالضرورة رفض الآخر والسعي إلى إقصائه