إنه يصعب أن نسلم بأن اقدام ثلاث قنوات تلفزيونية تونسية وهي الوطنية 1 والتونسية ونسمة (على التوالي الرهينة والزلزال وبراكاج) على تصوير حلقات من الكاميرا الخفية تدور كلها حول موضوع الإرهاب والرعب وبثها بنفس المناسبة وفي توقيت واحد تقريبا تم بمحض الصدفة والسؤال من سرّب كلمة السر حتى لا نقول من أفشى السر وجعل القنوات الثلاث بين عمومية وخاصة تستنسخ الفكرة. فالقنوات الثلاث المذكورة عوّلت على كاميرا خفية تبث الرعب والخوف في القلوب بلا شفقة أو رحمة لا للضحية التي تصاب بالهلع ولا للمشاهد المضطر لمتابعة الحلقة لمعرفة مصير الضحية التي وقعت في فخ الكاميرا الخفية وتنتهي الحلقة بضحكات معد البرنامج ومحاولاته تهدئة من وقع في الفخ... هكذا وبكل بساطة وكأن الأمر يتعلق بمزحة خفيفة. لكن نكاد نراهن أن من نصح بهذه الفكرة لم يكن يريد الخير للجماعة فلا يبدو أن هذه الفكرة التي تهافتت عليها القنوات المذكورة قد لقيت استحسانا كبيرا من جمهور المشاهدين. بل على العكس أغلب التعليقات أعابت على هذه القنوات الزج بالمشاهد في وضع عصيب بعد ساعات طويلة من الصيام في وقت كان يتوقع فيه لحظات طريفة. الكاميرا الخفية هذا العام على القنوات المذكورة تستنزف الأعصاب وتأخذ المشاهد في دوامة الخوف والإضطراب حتى أن دقات قلبه تعدل على إيقاع الحصة كما أن الخوف الذي تشعر به الضحية التي تقع في فخ الكاميرا الخفية(عادة من دنيا الفن والسياسة) تنتقل عدواه إلى المشاهد بسهولة. الكاميرا الخفية هذا العام بالقنوات الثلاث مزحة ثقيلة وهي تكتم على الأنفاس وكثيرون من المشاهدين فضلوا هجرة التلفزيون بسببها. وهناك حتى من احتج رسميا على هذه القنوات وهناك من ينوي اتخاذ اجراءت قانونية إلخ... ومرّة أخرى تجدنا نعود إلى الوراء ونستحضر ذلك الوقت الذي كانت فيه الإمكانيات المادية والتقنية والموارد البشرية قليلة جدا ومع ذلك كانت هناك انتاجات تلفزيونية تونسية لا تخلو من طرافة وهي تعيش إلى اليوم وتقتات منها بعض القنوات وتعول عليها لتطعيم شبكاتها البرامجية. اليوم كل شيء متوفر تقريبا باستثناء شيء واحد أساسي هو الذوق. فالقضية قضية ذوق. والذوق ولا ينبغي أن نعمم عادة ما أصبح يخوننا تماما مثلما حدث مع برامج الكاميرا الخفية على القنوات الثلاث المذكورة. والذوق السليم يفرض علينا أن نراعي عددا من العوامل من أبرزها مراعاة الحالة النفسية للمشاهد وحاجته وهو يعيش ضغط الحياة اليومية وضغط السياسة والمرحلة الإنتقالية وضغط مصاريف رمضان والمواعيد القادمة التي تستنزف منه المال والجهد بأن نقدم له أطباقا تلفزيونيّة رمضانية تساهم في الترويح عنه وتخفّف عنه الضّغوطات. ما حدث هو العكس تماما. لقد تم الزج بالمواطن في منطق العنف والخوف والترهيب وكأنه لا يكفيه ذلك على الأرض فيجده على شاشات التلفزيون في رمضان ولحظات فقط بعد الآذان.