بن جعفر يستنجد بالمحكمة الإدارية بعد استقالة المحامي كمال بن مسعود.. بعد تأخير عن موعد الجلسة فاق الساعتين استأنف المجلس الوطني التأسيسي أمس عملية انتخاب أعضاء مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، لكن الدورتين الانتخابيتين السابعة والثامنة المنتظمتان تباعا بعد كثير من العناء وطول الانتظار لم تسفرا عن نتيجة تذكر. وتقرر في نهاية الأمر، تنظيم جلسة عامة انتخابية أخرى يوم الجمعة القادم. مثّلت استقالة المحامي كمال بن مسعود قبل الأوان، أي قبل استكمال تركيبة مجلس الهيئة، مفاجأة للجميع، وسارع مصطفى بن جعفر رئيس المجلس التأسيسي إلى الاستنجاد بالمحكمة الإدارية طلبا النصح، من أجل بحث مخرج قانوني لهذا المأزق. فالقانون أساسي عدد 23 لسنة 2012 المؤرخ في 20 ديسمبر 2012 المتعلق بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات صمت عن مثل هذه الحالة، ولم يدر بخلد النواب وهم يسنون هذا القانون أن أحد أعضاء مجلس الهيئة سيستقيل قبل تكوّن الهيئة واستكمال تركيبتها. وأمام الفراغ القانوني خامرت النواب العديد من الأسئلة: فهم حائرون هل أن استقالة بن مسعود قانونية أم لا؟، وهل يمكنه تقديم الاستقالة في هذه المرحلة، وهل عليه أن يقدم الاستقالة الى المجلس التأسيسي أم إلى لجنة الفرز؟ أم عليه أن ينتظر إلى غاية تكون الهيئة. ولكن في كل الحالات، وهذا الأهم كيف سيقع تعويضه؟ فهل يجب انتخاب محام غيره من قائمة الثلاثة محامين الذين لم يقع انتخابهم خلال الدورتين الأولى والثانية المنتظمتين يومي الجمعة والسبت الماضيين، وهم على التوالي وحسب ترتيب عدد الأصوات التي احرزوا عليها (عبد الكريم راجح وسوسن العتروس وبسمة الورغي)، أم يتعين على لجنة الفرز فتح باب الترشحات من جديد في هذا الاختصاص وقبول ملفات الترشح ودراستها وتقديم أربعة أسماء جديدة إلى الجلسة العامة لانتخاب أحدهم.؟ كل هذه الأسئلة وغيرها مباحة، لأن القانون نص فقط على أن لجنة الفرز تتولى اختيار ستة وثلاثين (36) مرشحا على أساس أربعة (4) مرشحين عن كل صنف (قاضي عدلي قاضي اداري محام عدل اشهاد أو عدي تنفيذ أستاذ جامعي مهندس مختص في مجال المنظومات والسلامة المعلوماتية مختص في الاتصال مختص في المالية العمومية ممثل عن التونسيين بالخارج) ويتم هذا الاختيار باعتماد التناصف عن طريق التصويت بأغلبية ثلاثة أرباع أعضاء اللّجنة الخاصة في دورات متتالية بنفس الأغلبية إلى حين اكتمال العدد. ويشير القانون إلى أن رئيس لجنة الفرز يحيل على الجلسة العامة للمجلس قائمة مرتبة ترتيبا أبجديا حسب كل صنف تتضمن أسماء المرشحين الستة والثلاثين لانتخاب الأعضاء التسعة لمجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس التشريعي (أي 145 نائبا) بالتصويت السري على الأسماء في دورات متتالية إلى حين اكتمال التركيبة. وتتولى الجلسة العامة الاستماع إلى المرشحين الستة والثلاثين قبل التصويت. ويختار كل عضو في المجلس تسعة أعضاء من قائمة المرشحين باعتماد التركيبة سالفة الذكر ويرتب المرشحون المحرزون على أغلبية الثلثين من الأعضاء ترتيبا تفاضليا بحسب عدد الأصوات المتحصل عليها. كما تطرق القانون لكيفية انتخاب رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في الجلسة العامة من بين المترشحين من الأعضاء التسعة المنتخبين ولكنه لم يشر لا من قريب ولا من بعيد إلى مسألة الإستقالة.. ورغم هذه الحيرة التي اعترت النواب، التأمت الدورة الانتخابية السابعة وفق ما هو مبرمج في أجواء خيم عليها الصمت والوجوم خلافا للعادة، وكان الهدف من هذه الدورة انتخاب مختص في المالية، لكنها لم تسفر أيضا عن فوز أي مترشح من هذا الاختصاص، وبلغ عدد الأصوات التي أحرزت عليها المترشحة وفاء خواجة 135 صوتا والبرني العامري 43 صوتا وعبد الخالق بوجناح صوتا واحدا في حين لم تحرز رجا الحشاني على أي صوت. وهو ما دفع محرزية العبيدي النائبة الأولى لرئيس المجلس إلى عقد اجتماع خاص برؤساء الكتل، ودعتهم إلى الحوار مع بعضهم البعض قصد التوصل إلى التوافق. وفي المقابل طالب النائب الطاهر هميلة باختيار أربعة مترشحين جدد وعدم تكرار العملية الانتخابية. لكن طلبه لم يحظ بالقبول، وبعد ما يزيد عن الساعة التأمت الدورة الانتخابية الثامنة وغادر قبلها بعض النواب رحاب المجلس لأن الإحساس بالسأم بلغ أوجه، ولأن البعض قرر ألا يصوت. وانتهت هذه الدورة التي شارك فيها 179 نائبا أيضا إلى الفشل، إذ أحرزت وفاء خواجة على 127 صوتا والبرني عامري 43 صوتا ورجا حشاني على صوت واحد وعبد الخالق بوجناح 4 أصوات. وتعليقا على هذه النتيجة، عبر مصطفى بن جعفر عن أسفه لتسجيل دورة أخرى بيضاء، وقال للنواب إنه ليس هناك أمامهم من خيار سوى مواصلة تنظيم الدورات الانتخابية تباعا إلى غاية التوصل إلى نتيجة. كما دعا مختلف الأطراف السياسية والكتل إلى تقريب وجهات النظر بينهم، كما عبّر عن أسفه لغياب عدد من النواب ناهز الخمسين على هذه العملية الانتخابية التي اعتبرها من أبرز محطات المسار الانتقالي وبين أن هذا الأمر يبعث على الحيرة. وردا على استفسار بعض النواب بشأن استقالة المحامي كمال بن مسعود، بين أن التأويلات تعددت وتنوعت لذلك خيّر استشارة المحكمة الادارية.