اللعبة الديمقراطية تفترض القبول بالخسارة حذر عدد من قياديي حزب النهضة قبل وبعد اغتيال محمد البراهمي النائب بالمجلس الوطني التأسيسي والمنسق العام للتيار الشعبي من تكرار السيناريو في مصر ونبهوا إلى امكانية أن تسيل أنهار من الدم إن تمت محاولة تغيير نظام الترويكا الحاكم أو الإنقلاب على ما يسمونها الشرعية. وقد زاد اغتيال محمد البراهمي من المخاوف في أن يتجسم فعلا هذا السيناريو الدموي في ظل دعوة جانب هام من التونسيين إلى اسقاط النظام وتمسك الترويكا وأنصارها بشرعيتها. ولم ينف أستاذ العلوم السياسية حمادي الرديسي في حديثنا إليه حول الموضوع إمكانية تحويل حزب حركة النهضة تهديداته إلى حقيقة وهو يرى أن حزب حركة النهضة اليوم أمام تحد كبير إن لم نقل أمام امتحان نتعرف بمقتضاه هل أن هذا الحزب ملتزم بما يما يعلنه في خطابه الرسمي من أنه حزب سياسي معتدل ينبذ العنف ويقبل بقانون اللعبة ومن بينها القبول بالخسارة أم أنه عصابة من المغامرين والمتطرفين مستعدة لحمام دم في البلاد. ويرى حمادي الرديسي أن المناسبة سانحة كذلك للتعرف على مدى استعداد الإسلاميين في تونس إلى تحكيم العقل وتفهم أنه حان الوقت للإنسحاب مع الضمانات اللازمة وأن يقع التعهد لهم أن لا تتم ملاحقتهم وكذلك هل أنهم استعملوا الإنتخابات تعلة للوصول إلى الحكم للبقاء فيه تحت تسمية الشرعية الإنتخابية. وهو يتساءل في هذا السياق ألم يحصل بورقيبة على شرعية انتخابية سنة 1955 ثم ماذا فعل بعد ذلك, هل أرسى دعائم الديمقراطية؟ المثال التونسي سيمكن حسب محدثنا من معرفة إن كان الإسلام السياسي مستعد للقبول بقوانين لعبة الديمقراطية كاملة وإن كانت مقولات المهتمين بدراسة الإسلام السياسي على غرار ميشال كامو وجيل كيبيل ونيرغان في هذا الشأن صحيحة أم أننا مازلنا وكما قال الرئيس المصري المعزول محمد مرسي في منطق "ضريبة الدم" أي انتقال ديمقراطي لا يقبل بغير المعنيين بالديمقراطية وفي رده على تساؤل إلى أي حد يمكن القبول بالحركات الإسلامية المتشددة كطرف في العملية السياسية في البلاد وفي مسار الإنتقال الديمقراطي نبّه أستاذ العلوم السياسية حمادي الرّديسي الذي ألف كتبا عديدة حول الإسلام السياسي إلى أن أي عملية انتقال ديمقراطي لا تسمح بقبول الأطراف غير المعنية بالديمقراطية ويستغرب كيف أن أعتى الديمقراطيات في العالم وعلى سبيل المثال بأمريكا وبريطانيا وفرنسا تقصي الأطراف الإرهابية من اللعبة السياسية ونقبل بها نحن في تونس. بل نفتح لها الأبواب على مصراعيها وندعوها إلى التلفزيون وإلى الإذاعات ونفتح لها الجرائد.. ويضيف في نفس السياق :لم يسمح في فرنسا لحزب اليمين المتطرف بالتعبير إلا عندما أعلن قبوله بقانون اللعبة السياسية ونحن في تونس نقبل بحركات إرهابية متطرفة وبل هناك من يعتبرها ظاهرة ثقافية على غرار زعيم حزب حركة النهضة راشد الغنوشي ويشدد حمادي الرديسي على ان التجربة الديمقراطية الهشة في بلادنا لا تتحمل وجود أطراف ارهابية لا تؤمن بالديمقراطية مضيفا أنه حتى الديمقراطيات الكلاسكية والعتيّة تتأثر بوجود الحركات المتطرفة فما بالك بتجربة حديثة وهشة وهو يحمل المسؤولية لحكومة الترويكا وللنظام السياسي القائم الذي لم يأخذ بعين الإعتبار المخاطر التي تمثلها الحركات المتطرفة التي تبرمج وتخطط وتنفذ مشاريعها الإرهابية ويقول تحديدا: نظامنا السياسي لم يأخذ مأخذ الجد هذه الجماعات إن لم يكن جزء منها وانتقد محدثنا بشدة آداء الحكومة والمجلس الوطني التأسيسي وما أسماه باللعب على الحبال الذي يستعمله الرئيس المرزوقي وشركائه. فالمسار الديمقراطي معطل لا دستور ولا قانون انتخابي ولا مواعيد دقيقة للاستحقاقات الإنتخابية القادمة وهو يرى أننا إن رضينا بمواصلة هذا المسار يلزمنا على الاقل عاما آخر وهو يرى ان هناك تهاون وحتى تواطؤ من أجل تعطيل المسار الديمقراطي اضف إلى ذلك ما حدث بالجوار والخروج من هذا المأزق لن يتم حسب محدثنا إلا برحيل النهضة والترويكا والحل حسب رأيه يفي حكومة إنقاذ وطني تقوم على أنقاض الحكومة الحالية لا تتجاوز مدتها ستة أشهر وتقوم بإعلان دستوري مرحلي وتعدّ لانتخابات في ظرف ستة اشهر وفي تعليقه على تحجج الترويكا بما تسميه الشرعية قال استاذ العلوم السياسية أن استعمال النظام السياسي الحالي لمصطلح الشرعية يذكرنا بالممارسات السياسية في أمريكا اللاتينية في مرحلة ما وحكم العسكري الذي يتعلل بانتخاب الشعب له وهو يعتبر ان الترويكا سقطت في مرض يتبع التحولات الديمقراطية والتحولات الديمقراطية تحتمل فكرة الإنسحاب والرحيل. أما بخصوص الشرعية فهي متعددة الأوجه والشرعية مرتبطة بالإنجاز والشرعية مرتبطة بالكفاءة كذلك. وهو يراهن على أنه لو تخرج في الولاياتالمتحدة مسيرات مليونية للمطالبة بإسقاط النظام فإن الرئيس أوباما وهو المنتخب شرعيا لن يتردد في الإستقالة. ويذكر الاستاذ حمادي الرديسي أن الحكومات التي تفشل في أوروبا تستقيل وتنتظم انتخابات مبكرة في البلاد فلماذا لا يحدث هذا الأمر في تونس ونبه حمادي الرديسي من خطورة ما اسماه باللّخبطة على مستوى الخطاب السياسي الذي تعتمده الترويكا. فتارة نحن إزاء ثورة وتارة أخرى في ديمقراطية عادية. فالترويكا تستنجد بالثورة عندما يتعلق الأمر بمن تسميهم رموز الثورة المضادة وتتحدث عن شرعية صندوق الإقتراع عندما يستعمل خصومها منطق الثورة. حينها يقع التمسك بالإستمراية وبالشرعية الإنتخابية ويقول في هذا الخصوص: أدعوهم إلى توضيح موقفهم. فهل نحن إزاء ثورة أم في مرحلة انتقالية أم في مسار ديمقراطي أم في ديمقراطية كلاسيكية ودائمة. ويعتقد محدثنا أن ما يسميه باللعب على الحبال واعتماد في كل ورقة حسب الوضع وحسب المصلحة لا يمكن أن يتواصل وأن المسار الديمقراطي قد تعطل بما فيه الكفاية وليس على الجماعة اليوم إلا الرحيل