متى يقتدي الخلف في السّبق إلى المكارم ومغانم الدّار الآخرة على غرار ما كان عليه صحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حتى يفوز بالنعيم، فهذا شهر الصّوم أكبر فرصة سانحة للإنسان من كوثر الخير والمعروف، سمّي بحقّ شهر الجود، والمودّة والإخاء، والسّعادة، والرّخاء، وتخفيف العمل، والرّأفة بالعمّال، والشّفقة على الخلق، فيه قام الصّحابة بترسيخ قاعدة ردع النّفس وتهذيبها، حتى اقتدى بهم من بعدهم من الصّالحين، فكانوا على ترقّب شديد لموسم الغفران، رجاء أن تدنو منهم ملائكة الرّحمة، وتسلمهم سلوك العطاء الإلهي من المغفرة والنّعيم والعزّ والمجد في الدّنيا والآخرة، بفضل هذا الشهر تقوى العزائم فتتحدّى الاتجاه المعاكس للفضيلة ، وتتمسّك بطاعة الله ورسوله لقهر المعاصي وهزم وسوسة الشيطان، فلا شهوة في صدور الصّوّام إلا شهوة الرّفض لما يطلبه الشيطان أو العزوف عمّا ترغب فيه النفس إزاء ملاذ الدّنيا وشهواتها الرّخيصة، وميولها الخسيسة، أو البعد عن متطلبات الهوى الجموح، إن الصّائم في شهر العزلة عن السّيّئات، والخضوع لفطرة الله التي فطر الناس عليها للخير والعبادة لله الواحد الصّمد، ولا شريك له.
احترام قانون المعدة إيّاك أخاطب أيّها النهم، وإيّاك أخاطبك أيّتها البطنة، أتاكما شهر الصّيام لتطهّرا جسميكما من غلظة الضّغط الطعامي، الذي تلزمان نفسيكما به، بقصد وبغير قصد، تدفعانه للمعدة بغية استهلاكه، هي أنواع من المآكل صنعت بتفنّن، على حساب إغراء اللّسان، فكأني بكما تغافلتما عن مقولة ديننا "لا تأكل حتى تجوع وإذا أكلت فلا تشبع"، أتعلمان أن المعدة إن هاجمتها القوى المتضافرة: الطعام الشّهيّ، واللّسان الأكول، واللّّذة، لتفرض سلطانها عليها، سعيا وراء التّغلّب على قانون المعدة ولكن المعدة إن كلفتها ما لا طاقة لها به تؤذيها، وتعجزها فينجرّ عن ذلك الخمول والكسل في الجسم، وتقدّم الصّداع في الرّأس، والوجع في البطن، والثّقل في الفهم، وإن لم يقلع صاحب المعدة عن التجاوزات فالخطر يزداد للجسم، والغريب أن المسلم قد زوّده رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بنصيحة ثمينة "نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع". أقول له: أأهملت، وأغفلت، أم تركت وتغافلت؟ أسأل الله أن يهديك لفهم مقولة خاتم المرسليمن وتحترم قانون المعدة.