فقدت تونس يوم 27 جويلية الماضي احد مفكريها الكبار ولكن خبر وفاته ضاع في زحام الأحداث المؤلمة والمتلاحقة التي عاشها التونسيون بداية من يوم 25 جويلية تاريخ اغتيال النائب في المجلس التأسيسي الحاج محمد براهمي ومجزرة جبل الشعانبي التي قتل فيها 8 جنود واعتصام الرحيل واعتصام أنصار الحكومة وما تشهده مدن تونس قراها وأريافها من مسيرات رفض واحتجاج على الحكومة ومسيرات مساندة لمناصريها وصولا إلى سلسلة التفجيرات ومحالات الاغتيال التي يتعرض لها بعض السياسيين ومداهمات الأمن لمقرات المشتبه بهم في عمليات اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد ابراهمي والاعتداء على الأمنيين والتهديد بالاغتيالات والتفجيرات.. ولكن رغم علم الكل بهذه الإحداث وتطوراتها لامنا بعض المثقفين وقراء فكر الراحل عفيف الأخضر على هذا التقصير واعتبر البعض ان صمتنا مقصود باعتبار الجدل الذي تثيره كتاباته وفكره بصفة عامة حيث انه نقد ممارسات الأنظمة والأحزاب التي تتبنى الإيديولوجية الماركسية وخاض معارك عنيفة بجرأة وشجاعة ضد من كان يسميهم " قوى الارتداد والسلفية الظلامية والرجعية" في العديد من المجلات والصحف العربية والمواقع الالكترونية. "تجفيف منابع الفكر الأصولي الإرهابي" وذكرنا البعض من قرائه ومريديه بأنه ترجم بيان الحزب الشيوعي وبه حاز على إعجاب الوسط الطلابي التونسي في سبعينات وثمانينات القرن الماضي وذكرنا البعض الآخر بأنه احد أهم دعاة الليبرالية المؤيدين للغرب ولأفكار المستشرقين عن تخلف العرب والمسلمين منذ تسعينات القرن الماضي أي بعد سقوط الكتلة الشرقية، وبأنه كذلك الداعي إلى "تجفيف منابع الفكر الأصولي الإرهابي" مباشرة بعد أحداث11 سبتمبر2001 والمتصدي بفكره ومقالاته الصحفية -حيث كان يكتب في جريدة الثورة- وفي موقع "الحوار المتمدن" لجماعات وتيارات الإسلام السياسي السلفي الجهادي التكفيري كما كانت له محاضرات ونصوص حول إصلاح الإسلام وتحديثه ومواجهة التعصب الديني. وبعيدا عن البحث عن التعلات - والتقصير واضح- وان كان غير مقصود نقول لعل تضارب الأنباء حول وفاة هذا المفكر التونسي على اثر محاولته الانتحار في بيته في باريس بعد طول مرض ويأس من العلاج من بين الأسباب إضافة إلى تزامن شنقه لنفسه ومحاولة انتحاره الفاشلة مع اغتيال الحاج محمد البراهمي يوم عيد الجمهورية. حياة صاخبة فيها الكثير من الإبداع ومن الألم والإحساس بالقهر تلك التي عاشها عفيف الأخضر الذي شنق نفسه ولفض أنفاسه الأخيرة بالعناية المركزة بإحدى المستشفيات بباريس عن سن ناهزت التاسعة والسبعين من عمره (ولد عام 1934 بمدينة مكثر التابعة إداريا إلى ولاية سليانة). عاش منذ 1989 بين باريس وبيروت وعمان وكان هاجسه الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي والتربوي في المجتمعات العربية. شرس راديكالي متمرد على السائد قلم يساري شرس راديكالي متمرد على السائد حارب التسلط والفساد والاضطهاد والديكتاتوريات وكتب من اجل تأسيس مجتمع عربي مدني تسوده العدالة الإنسانية والديمقراطية الصحيحة والتوزيع العادل للثروات. وخصم عنيد لليسار والمحافظين على حد سواء بعد ان تحول من الماركسية إلى الليبرالية ذاك هو عفيف الأخضر. والراحل صاحب مشروع ثقافي هو "نقد الفكر الإسلامي التقليدي" وقد ألف"التنظيم الحديث" و"الموقف من الدين" و"إعادة تعريف الإسلام بعلوم الأديان" و"هذيان الشعور بالذنب" وترجم "البيان الشيوعي" ولا تزال ترجمته المرجع الوحيد والموثوق به للبيان الشيوعي حتى يومنا هذا. ورغم ان عفيف كان يعيش في باريس ورغم معاناته وشعوره بالوحدة إلا انه لم ينفصل عن تونس ولم ينقطع تفكيره فيها وقد واصل الكتابة عن راهنها من ذلك انه نشر ب"موقع حقائق" أخر مقال له قبل أن ينتحر ورأى فيه ضرورة ان يتحالف الجيشان التونسي والجزائري ويوحدا جهودهما من اجل مواجهة الإرهاب. رحم الله فقيد الفكر التونسي الذي لم يكن يخشى في قول كلمة الحق لومة لائم ورزق أصدقاءه وقراء كتبه ومقالاته في تونس وفي الوطن العربي جميل الصبر والسلوان.