تحذيرات المحلل الجزائري الاستراتيجي محمد عظمي من احتمالات دخول مصر مرحلة إرهاب سيطول أكثر مما طال في الجزائر، قد تمتدّ الى خمسين سنة من عدم الاستقرار قد تجد لها مبرّراتها بالنظر الى ما قدّمه المحلل من أسباب و اعتبارات مرتبطة بالواقع المصري وأوّلها أن إمكانيات الجزائر أكبرمن إمكانيات مصر وعدد سكانها أقل و ثانيها المكوّن الاجتماعي وعنصر الأقباط الذين قد يطالبون بما يضمن حقوقهم ويوفر لهم الحماية بما يمكن أن يدفع بهم للمطالبة بحقوق أكثر قد تصل إلى حدّ الدعوة للانفصال عن مصر، و أن هذا مخطط له مسبقا لتحويل مصر الى دولة في سيناء ودولة أخرى في الجنوب للأقباط.و قد فتحت مثل هذه التحذيرات شهية الكثيرين في تونس لا للتلويح بمخاطر تكرار السيناريوالمصري في تونس فحسب ولكن لاستغلال المشهد المصري لترهيب التونسيين و الإيحاء في أحيان كثيرة الى أن البديل عما هو قائم سيكون حمّام دم يغرق البلاد و العباد و الواقع أن هذه التحذيرات و إن كان لها ما يبرّرها بالنظر الى التجربة الجزائرية في مواجهة إرهاب العشرية السوداء فهي تبقى مجانبة للحقيقة عندما يتعلق الامر بتونس و بخصوصيات المجتمع التونسي التي لا يبدو أن الكثير من المسؤولين الجدد في البلاد يدركونها و يفهمونها و هم الذين يصرّون على ارتداء جبّة الحزب الذي ينتمون اليه في خطاباتهم الرسمية بدل الجبّة الوطنية التي يفترض ان تجمع كل التونسيين و قد أثبت هؤلاء المسؤولون بدل المرّة مرّات أن المجتمع الذي في أذهانهم هو تلك الفئة الضيقة من مجتمع الثمانينات الذي انبثقوا منه كحركة و ليس كل المجتمع بكل طموحاته العريضة الواسعة في دولة مدنية ديموقراطية راقية في نظامها و مؤسّساتها وجامعاتها وتعليمها و ثقافتها و دينها ومستوى معيشتها واقتصادها و هذا الخلط خلق في الواقع الكثير من التصادم في المواقف سواء تعلق الامر بالمجلس التأسيسي أو كذلك بما بلغه الصراع بين السلطة القائمة و المعارضة و مكونات المجتمع المدني و من هنا كان تفاقم ازمة الثقة الخاصة في النفوس و الخوف من ولاء لم يعد خفيا الى تنظيم حزبي دولي بعينه و هو تنظيم الاخوان وللمشروع الإسلامي الموسّع كما حدّده حسن البنا بدلا من الولاء المحدود للوطن في حدوده الجغرافية وفي رايته و خياراته الاستراتيجية ... من هذا المنطلق فقد يكون في تصريحات زعيم حركة النهضة في المؤتمر الصحفي بالأمس ما يؤكّد حالة الهوس التي فرضها المشهد المصري على صناع القرار في البلاد حتى أن وزير الصحة لم يتردّد في تحميل المعارضة مسؤولية ما يحدث في مصر بكل ما يعنيه ذلك من إصرار على إسقاط الحالة المصرية على نفسية التونسي و كأنها أمر لا مفرّ منه والحال أن كل المؤشرات تجعل السيناريو المصري بعيدا كل البعد عن تونس لعدّة اعتبارات لا تخلو من الموضوعية و المنطق و لو أن قليلا من الإرادة السياسية توفرت لدى أصحاب السلطة ولو أنهم اختاروا التواضع وتجنب التعنت لكان بالإمكان تجاوز حالة الاختناق و الازمة التي تحاصر البلاد ... بالأمس نطق زعيم حركة النهضة بكلمة النفاق بدل الوفاق , خلال مؤتمر أريد له في ظاهره أن ينفي ما راج من شائعات حول سفر الغنوشي الى الخارج في خضمّ الازمة السياسية الراهنة في البلاد وأن يذكّر في ذات الوقت بموقف حركة النهضة مما يدور في الساحة المصرية من صراع بين المؤسسة العسكرية و الاخوان ,على أنه قد يكون من غير المحتمل وعلى عكس ما ذهبت اليه أغلب التعليقات على المواقع الاجتماعية أن ما صدرعن زعيم حركة النهضة كان مجرد زلة لسان غير مقصودة بل الأرجح انه رغم قناعتنا بأن البشرخطاء وأن زعيم حركة النهضة ككل البشرليس معصوما من الخطإ ولكن الأرجح أنه كان يدرك جيّدا ما يقوله وربما كان يعني ما يقول و أن كل القوى السياسية في حاجة لمزيد النفاق والمناورة السياسية للوصول الى التوافق المنشود ,من هذا المنطلق فان كل محاولات اسقاط تداعيات المشهد الراهن في مصر بعد عزل مرسي على الازمة القائمة في تونس و مارافقها من ترهيب و تخويف للنفوس بشأن حمام الدّم الذي ينتظر البلاد في حال الانقلاب على الشرعية توجهات لا تستقيم و لا تجد ما يبرّرها لان تجاوز الازمة الخانقة في تونس يستوجب توفر الإرادة السياسية الغائبة لاتخاذ الإجراءات الجريئة المطلوبة التي تجنب الجميع مزيد إضاعة الوقت و الجهد و تمنح البلاد فرصة التنفس و تجاوز أزمة الثقة المتفاقمة .... حرف يفصل بين المواقف ولكنه بالتأكيد فاصل يتجاوز المعنى اللغوي الى ما قد يخفي في النفوس و يعزز الريبة و الشك و يعيد الى الأذهان زلات لسان كثيرة و ما هي بزلات لسان بعد أن كدنا نصدّق ان الحركة قد تجاوزت مرحلة العمل في السرية و لم يعد لديها ما يمكن أن يدفعها للتخلي عن الشفافية و الوضوح في التعامل مع التونسيين...