الأمية تزحف على تونس في غفلة من الشعب والقيادات السياسية عندما قال المدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "ألكسو"، الدكتور عبد الله حمد محارب، إن التعليم في تأخّر في كل الدول العربية سواء كانت ثرية أو فقيرة وان مستوى التعليم في تراجع ومخرجاته تضعف سنة بعد سنة خلال لقاء جمعه بالإعلاميين في تونس على اثر توليه منصبه في شهر فيفري الماضي وعندما أكد وأصر على اننا نحتاج إلى إستراتيجية تطوير التعليم في العالم العربي الذي يعد الركيزة الأساسية لنهضة البلدان العربية وتقدمها لم نكن نعتقد ان الأمر يعنينا كثيرا باعتبار اننا ومنذ الاستقلال اعتنينا بالتعليم ورصدنا له نسبة هامة من ميزانية الدولة إلى أن أصبحت لنا بنية تحتية ومؤسسات تعليمية في كل مكان تقريبا حلقت عاليا بنسبة التمدرس في بلادنا وجعلت نجاح الأبناء وإتمامهم لسنوات تعليمهم على الأقل الثانوي هاجس كل التونسيين، هذا إضافة إلى العمل على تخليص المواطنين الكبار في السن من الأمية وعندما طلب مدير عام الالكسو من رؤساء وملوك الدول العربية الاعتراف بفشل سياسات القضاء على الأمية وحثهم على إبداء إرادة سياسية صادقة لمزيد الاهتمام بتطوير التعليم ولردم الفجوة بين مستويات التعليم والأمية في البلدان العربية اعتقدنا ان الأمر يهم مصر أو ليبيا أو المغرب أو السودان واستبعدنا ان يشمل حديثه تونس لان دولة الاستقلال راهنت على التعليم ولأنه كان ومازال مجانيا وإجباريا ولكن تصريحا للسيد الهادي السعيدي المدير العام للدراسات والتخطيط بوزارة التربية أدلى به في بداية الأسبوع خلال اللقاء الدوري الإعلامي الذي انعقد بقصر الحكومة بالقصبة قال فيه إن 100 ألف تلميذ تونسي قد انقطعوا عن الدراسة خلال الموسم الدراسي2012-2013 صدمنا فقد كنا نعتقد ان الحكومات التي تعاقبت على تونس بما فيها حكومات ما بعد الثورة - وقد مر عليها ثلاث مواسم دراسية وبإمكاننا محاسبتها هي أيضا - مقتنعة بعمق الأزمة وخطورتها وأنها تعمل من خلال الدراسات والإجراءات والاستراتيجيات على الحد من الانقطاع المبكر عن التعليم الذي يساوي الأمية وانه تم تطبيق ولو جزء من الدراسات التي أشرفت عليها وزارة التربية والتعليم والأيام الدراسية المفتوحة وورشات التفكير وبحوث ودراسات المختصين وحتى المحللين النفسانيين وان نسب الانقطاع قد انخفضت بعد الثورة.. وقد تأمل الجميع في نجاعة وسائل التصدي بعد ان تم التشخيص.. وخلنا انه تم استعادة الأمل في مستقبل زاهر للتلاميذ والطبلة نعرف ان الإصلاح كان يسير بخطى بطيئة، يتعثر ولكنه على الأقل ينقذ نسبة من أبنائنا ولكن للأسف حديث السعيدي كان كزلزال هز التونسيين وخاصة عندما أكد على ان 10 آلاف تلميذ من المنقطعين كانوا في المرحلة الابتدائية، أي من السنوات الخامسة والسادسة، بينما توزع العدد الباقي على المرحلتين الإعدادية والثانوية وأن الأقسام التي شهدت أكبر نسب للانقطاع هي السابعة أساسي والأولى ثانوي طبعا تحدث المسؤول عن أسباب ظاهرة انقطاع هذا العدد الكبير من التلاميذ عن مقاعد الدراسة وقال انها متنوعة منها الأسباب التربوية ومنها الاقتصادية والاجتماعية وقال بتفاؤل ان إمكانية معالجتها ممكنة شرط تضافر جهود جميع الأطراف. ولكن "تضافر جهود جميع الأطراف" اليوم شرط يصعب تحقيقه وستستفحل الظاهرة حسب رأينا لان جميع الأطراف حاليا لها اهتمامات أخرى غير القضاء على الأمية والانقطاع المبكر عن التعليم ولعل الأغلبية لا يهمها هذا الوضع نهائيا (جميع الأطراف) أي الشعب التونسي بعضه يهتم بالأحزاب ورموزها والسياسة وكراسيها وبعضه الآخر بالقفة وغلاء المعيشة ولا وقت لغير أهل الاختصاص والمشرفين المباشرين على قطاع التربية والتعليم للبحث عن حلول لهذه الأزمة المخيفة وهذا المرض الذي يعود إلى تونسنا بعد ان تم القضاء عليه ولعل تضافر الجهود اليوم يكون مثمرا ويكون أكثر نجاعة لو تم التنسيق مع الأساتذة والمعلمين والمنظمات الوطنية والعربية والدولية المختصة. (جميع الأطراف) الفاعلة في الساحة السياسية اليوم لم نلمس منها حرصا ولا إدراكا لأهمية التعليم ولم نر لها بيانا أو صيحة فزع تنم عن وعي بخطورة ظاهرة الانقطاع عن التعليم في سن مبكرة وخاصة بعد ثورة كان من المفروض ان تعيد الأمل للعائلة التونسية في أن يدرس أبناؤها ويرتقوا اجتماعيا ويحسنوا أحوال الأسرة لسنا في حاجة اليوم لان نقول ان تطور أي بلد لا بد ان يمر عبر التعليم وان الحفاظ على الوطن وعلى الهوية والتراث والآثار وغيرها من مقومات الشخصية يتكون بالتوازي مع التعليم والتربية على القيم ولسنا في حاجة كذلك لان نقول ان وضع التعليم المتأزم في تونس اليوم لا يقل أهمية عن وضع قفة المواطن وانه لا بد من ايلائه الأهمية التي يستحقها تضيع اليوم المكتسبات الحقيقية لتونس وتتبخر مفاخرها في زحمة التجاذبات السياسية.. وإجبارية ومجانية التعليم ووصول نسبة التمدرس عندنا الى ما يفوق التسعين في المائة كانت من أهم مفاخرنا على مدى عقود خلت.. واستفحال ظاهرة الانقطاع عن التعليم وعودة ظهور الأمية في تونس مؤلم ومحبط للعزائم وخطورته تكمن في انه يحدث ويتطور في غفلة من الشعب التونسي ومن قياداته السياسية ولعل هذه الأخيرة لا تؤمن أصلا ولا تدرك أهمية التعليم