هل يتجه العالم نحو أزمة اقتصادية عالمية حادة كتلك التي اهتز لها في مرحلة ما بين الحربين العالميتين او ما عرف بأزمة 1929؟ قد لا تكون المؤشرات الاقتصادية الراهنة وحجم الركود والتضخم في الاسواق العالمية بحجم المؤشرات التي ادت الى تلك الأزمة بتداعياتها الخطيرة على الاقتصاد العالمي الا ان المشهد الاقتصادي العالمي ايضا يحمل في طياته سلسلة من المؤشرات والتحذيرات التي لا يستهان بها وهي تحذيرات قابلة للتطور في ظل تفاقم الارتفاع المسجل في اسعار النفط كما في اسعار الحبوب التي سجلت ارتفاعا تجاوز الاربعين في المائة خلال الاثني عشر شهرا الماضية بما يكون له تاثير عميق على اقتصاديات الدول الصغيرة والتي تعتمد بشكل اساسي على استيراد حاجياتها من القمح والارز لا سيما في خضم توقعات خبراء الاقتصاد بارتفاع الاسعار باربعين في المائة اضافية خلال الاشهر المقبلة بما يهدد بتحول الدول الفقيرة الى بؤر محتملة لمجاعة واسعة. ولعل في التحذيرات التي اطلقها مسؤول الاممالمتحدة للشؤون الانسانية جون هولمز من ان تواصل ارتفاع اسعار الغذاء قد يتسبب في حالة من انعدام الاستقرار السياسي في العالم ودفع الذين لا مال لهم لمواجهة حاجياتهم الاساسية للخروج الى الشوارع ما يرجح تفاقم الأزمة وتعقدها وهو ما اتضح جليا في اكثر من بلد من مختلف القارات حتى الان بعد ان تعددت خلال الايام القليلة الماضية المظاهر الاحتجاجية التي امتدت من مصر الى الاردن واندونيسيا والفيليبين وكمبوديا والكاميرون وبوركينا فاسو الى السينغال وموزامبيق لتتعدد معها المظاهرات الغاضبة ضد الجوع والعجز عن مجابهة ارتفاع الاسعار الغذائية وغلاء المعيشة ولعل في الاحداث الدموية التي عاشت على وقعها هايتي بعد ان حاول المتظاهرون الغاضبون اقتحام القصر الرئاسي ما يمكن ان يعكس حجم وتداعيات الأزمة الغذائية الراهنة لا على الدول المحدودة الموارد كهايتي التي يعيش ثمانون بالمائة من سكانها البالغ عددهم حوالي ثمانية ملايين تحت خط الفقر ولكن ايضا على دول صناعية مثل اليابان وامريكا وايطاليا... اسباب كثيرة باتت مرتبطة بالارتفاع المشط للاسعار الغذائية وموجة الغلاء العالمية وهي بالتاكيد ليست بمعزل عن الارتفاع المتزايد لاسعار الوقود وتنامي الاستهلاك في دول مثل الهند والصين مقابل تراجع المحاصيل فضلا عن التقلبات المناخية وما تسببه من جفاف او فياضانات دون اعتبار للكثير من الخيارات الاقتصادية والرهانات التي فرضتها العولمة ودفعت الكثير من اصحاب مزارع الارز والقمح الى تحويل حقولهم لملاعب القولف. ولا شك ايضا ان للاستراتيجيات المعلنة من جانب القوى العظمى والحروب الدائرة من العراق الى افغانستان والصراعات العرقية المسلحة في افريقيا او غيرها دورا في استفحال الأزمة الغذائية في العالم والدفع بالشعوب الضعيفة باتجاه خيارات لا تخلو من الخطورة بما يمكن ان يؤدي الى مزيد انتشار المشاكل المرتبطة بسوء التغذية في العالم الثالث او ان تدفع بحكوماتها الى اعادة مراجعة حساباتها وتحديد خياراتها السياسية باتجاه مزيد الشفافية والاصلاح الاقتصادي ومحاربة الفساد وحسن استغلال وتوزيع الثروات الطبيعية بما يضمن للمواطن رغيف العيش...