يقول جورج أوريل(العالم بكل جبروته عاجز عن إبادة حلم) لكنني اكتشفت العكس فعندما يحلم العالم بصنع تاريخ له وننجر نحن لطمس تاريخنا بكل اطيافه وانتماءاته لمصلحة تيار معين او لخدمة وقت محدد يجب أن نوقن بأنه بالإمكان ابادة حتى الحلم وليس البشر فلم أكن أتخيل يوما ومثلي الكثيرون ممن نهلوا من معين الوطن بكل سلبياته وايجابياته أنه سيأتي يوم علينا لا نجد فيه ذاكرة للوطن الا ما حفظ في كتب قد تأكلها (العتة) تلك الحشرة اللعينة التي تأبى دوما وأبدا الا على أكل الثقافة والعلم أكلا نهما لتحرمنا من حق الشبع والاكتفاء اليوم وبالصدفة البحتة وأثناء مروري على صديقي السابق محرك البحث الغوغل والذى بتّ أكرهه الان كرها يصل حد الحقد عليه اكتشفت أننا فجأة اصبحنا بلا ارشيف الكتروني ثقافي لنا وبلا توثيق أدبي اعلامي.. فما قمنا به على مدي عشرات السنين أخذته عواصف الثورات العربية في أدراجها حتى بتنا نخشى اقتلاعها للجذور الثقافية لنا وخاصة في ليبيا فكل ما كتب قبل الثورة غير موجود وكل رصد وتوثيق لمهرجاناتنا الشعرية بكل انواعها والقصصية والروائية والتراثية مسحت ومحيت تماما بدماء من أستشهد دونها عن مبدأ ومن مات فيها على قارعة الطريق لم أجد شيئا وكل المواقع الالكترونية ضربت بالكامل وضاعت كتاباتنا الصحافية وخربشاتنا الادبية وكتابات فطاحلنا ومبدعينا الثقافية. وحيث أنني كنت أود أعطاء القارئ التونسي فكرة ولو بسيطة عن المشهد الثقافي الادبي الليبي بالكامل دون تصنيف او تقسيم او اقصاء فقد أوجعني الامر حد القهر وأفشل رغبتي وأحبط مجهوداتي في توسيع دائرة الكتابة لأكتفي بأسئلة أين ذهب أرشيفنا الالكتروني؟ ولمصلحة من تم ذلك؟ ولماذا نستمر في تكرار ذات الاخطاء كل مرة فمن محاولة طمس العهد السنوسي لمحو اثار العهد القذافي ضاعت ملامح الكتابة للوطن والتوثيق لتاريخه الطويل والمليء بكافة انواع الابداع الانساني والتراثي والادبي الفكري العلمي ولرصد بعض ما كتب أساتذة جاهدوا بالكلمة لحفظ إرث ثقافي مهم في زمن شنت الحروب فيه على الهوية الثقافية للأمم لتكون مسوخا مشوهة عن القوى الكبرى في العالم مستخدمين أسلوب التفكيك والتفكك والتشويه والتشكيك بالمؤرخ والمحفوظ وإخفاء وطوي المخطوطات التي تثبت تجذرنا الثقافي والحضاري والعلمي وما وهبناه للعالم من نورانيات فكرية وعلمية كبيرة وجب علي الاستعانة بالأديب عبدالله مليطان وكتبه التأريخية للمشهد الثقافي الليبي العقود الماضية فلديه من الكتب والمؤلفات ما يمكّن القارئ التونسي من معرفة ملامح المشهد الثقافي الليبي عن قرب. نذكر مثلا معجم الأدباء الليبيين المعاصرين حيث يتضمن هذا المعجم تعريفاً علمياً ب(342) كتاباً وأديباً ليبياً مع عرض لصورهم ومؤلفاتهم المطبوعة ومخطوطاتهم وعناوينهم الشخصية، وهو مزود بفهرسين لتسهيل مهمة الباحث بحيث يمكن البحث فيه إما بسحب الاسم الأول أو اللقب ومعجم الشعراء الليبيين"الجزء الأول يضم هذا المعجم (92) شاعراً ليبياً وهم الشعراء الذين صدرت لهم دواوين حتى نهاية العام 2000م ، مع التعريف بهم وبدواوينهم وعرض صورهم وقصيدتين من شعرهم وسرد ما كتب عنهم في مختلف الكتب والدوريات ومعجم القصاصين الليبيين"الجزء الأول يضم هذا المعجم عدد (70) قاصاً ليبياً وهم الذين صدرت لهم مجاميع مع التعريف بهم وبمجاميعهم القصصية وعرض صورهم وقصة من قصصهم وسرد ما كتب عنهم في مختلف الكتب والدوريات ومعجم الكاتبات والأديبات الليبيات ويضم هذا المعجم (84) كاتبة ليبية مع التعريف بهن وعرض صورهن ونماذج من إبداعهن وسرد ما كتب عنهن في مختلف الكتب والدوريات، وايضا معجم الأدب الشعبي في ليبيا حيث يضم هذا المعجم الشعراء الذين صدرت لهم دواوين في الشعر الشعبي (الزجل) مع التعريف بهم وعرض صورهم ونماذج من شعرهم وسرد ما كتب عنهم في مختلف الكتب والدوريات والتعريف أيضاً بالكتّاب الذين درسوا الأدب الشعبي مع عرض فهارس دراساتهم أن الاطلاع عليهم يفتح الباب على مصرعيه لمواكبة ثقافية عصرية لكل الكتابات الادبية لأدباء ليبيا من شعر وقصة وراوية ومسرح ومن ثم الانطلاق الي متابعة من بقي منهم موجودا على الساحة الان ويجب الا ننسي ان هناك بعد الثورة حالات ابداعية شبابية مفعمة بالحلم, مؤسسة على الجدية, مطبوخة على نار الأمل, لا تملك حيالها إلا أن تخلع القبعة وايضا في المقابل ثمة مشهد شاب هرم, يعيد إنتاج الرداءة, ونسخ سيرك الاستهلاكية, بدون أي معنى, لتذهب من تلقاء نفسك إلى رثاءات مطولة للأجيال الصاعدة إلى خشبة اللحظة وهنا أترك الامر بيد القارئ ليميز ويختار نيفين الهوني صحفية ليبية متربصة بدار الصباح