لوّح عدد من النواب المنسحبين من المجلس التأسيسي بالدخول في إضراب جوع في إطار حملة تصعيد حقيقية من قبل المعارضة من أجل فرض حل للأزمة السياسية وإنقاذ البلاد حيث دعا حمة الهمامي الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية مساء السبت بمناسبة إحياء أربعينية النائب المغتال محمد البراهمي إلى التعبئة الشعبية لتطوير"اعتصام الرحيل" بباردو بالتحاق كل الجهات حتى يكتسب الصبغة الوطنية. هذا الخيار اعتبره البعض إقرارا ضمنيا بفشل "اعتصام الرحيل" بباردو إلى حد القول بأن حشد الشارع لم يعد الفيصل لتحقيق المطالب وفض الأزمات وحلها، في حين اعتبر البعض الآخر أن هذا الخيار لا يعد فشلا بل هو خطوة جاءت بعد كل محاولات الإحتجاج السلمية والتصعيد المنطقي تجنبا لأي مخاطر قد لا يحمد عقباها. تحركات الشارع لم تفشل ففشل الاعتصام مسألة لا يمكن طرحها أو التسليم بها حيث عبر الجامعي والمحلل السياسي محسن الخوني عن عدم اعتقاده أن "اعتصام الرحيل" قد فشل ذلك أن نفس القائمين عليه سيتحولون إلى القصبة مع توسيع قاعدة المعتصمين على مستوى وطني. وقال:" لا أعتقد أن تحركات الشارع قد فشلت، صحيح أن هنالك استنزاف للقوى ولكن علينا أن ننتبه إلى أن الشارع التونسي له طبع شبيه بالأودية فقد يكون الوادي فارغا لكن بمجرد نزول المطر فإنه يحمل، ولهذا حذار فإن تحت كل رماد لهيب فلا ننسى العودة المدرسية والجامعية والعودة بعد العطلة الصيفية بمعنى أنه ستكون هناك عوامل جديدة يجب أن يقرأ لها حسبان". ولا يذهب إلى ظن الناس- على حد قول الخوني- أن "تحركات الشارع التي قادتها المعارضة قد فشلت لأن هذه المعارضة ليست في الحقيقة إلا نبضا لجزء من الشارع والتي بقيت متمسكة بالاحتجاج السلمي وتنويعه، وبالتالي فإن إضراب النواب عن الطعام هو تصعيد حقيقي يرتقي إلى درجة الخطورة لأن النائب الذي يمثل إرادة أو جزء من الإرادة الشعبية عندما يضرب فتلك علامة على مشكل ينخر جزءا من الإرادة العامة ضد جزء آخر منها". وقال:"أعتقد أن هذا أقصى ما يؤدي إليه الإحتجاج السلمي وبعد ذلك المجهول وفي نفس الوقت لسائل أن يتساءل عما بعد هذا الإضراب"؟ في ذات السياق يرى عبد اللطيف الحناشي أستاذ التاريخ المعاصر والراهن أن اضراب الجوع على المستوى النظري يعتبر أحد الأشكال النضالية السلمية المتقدمة و"المكلفة" التي تعتمدها القوى السياسية أو النقابية". وقال: "يعبر هذا الشكل النضالي عن إصرار من يقوم به لتحقيق أهداف محددة بعد أن عجزت الأشكال الأخرى المعتمدة في تحقيق ذلك.. وقد لا يحقق هذا الشكل النضالي نتائج آنية غير انه قد يساهم في تعبيد الطريق لمستقبل جديد ويمكن أن نذكر هنا(مع اعتبار الفوارق واختلاف الظروف وطبيعة المطالب) إضراب الجوع الذي قامت به طليعة النخبة السياسية في تونس الممثلة لهيئة 18 أكتوبر سنة 2005". شكل نضالي.. خطير أما اعتصام الرحيل، كما أكد الحناشي"لا يمكن اعتباره قد فشل تماما، فقد فشل في حلّ المجلس التأسيسي وفي إسقاط الحكومة لكنه حقق بعض الأهداف التي أدت وقد تؤدي إلى تحقيق ما تسعى إليه المعارضة فمنذ انسحاب نواب المعارضة من أشغال المجلس وانطلاق اعتصامهم في باردو تمكنوا من تحقيق عدة أهداف قد تكون جزئية ولكنها قد تشكل تراكما لأشكال نضالية أخرى، من ذلك تحويل هذا الاعتصام من اعتصام فئوي الى اعتصام "جماهيري بأغلبية نخبوية" (الشباب والنساء والرجال) ومن جميع الأطراف السياسية المنظمة وغير المنظمة ومن منظمات عديدة من المجتمع المدني". مضيفا أن "الانسحاب ثم الاعتصام قد أدى إلى تحريك الساحة السياسية بداية من إيقاف أشغال المجلس من قبل رئيسه ومحاولة المنظمات الأربعة إيجاد حلول ناجعة للخروج من الأزمة السياسية الحادة وصولا إلى اجتماع باريس بين السيدين الغنوشي والباجي وما تمخض عنه من توافقات وتفاهمات(سرية لهذه الساعة على الأقل) كانت مقدمتها تصريح السيد راشد الغنوشي لقناة نسمة واعترافه لأول مرة بقوة نداء تونس السياسية والاجتماعية وإقراره بعدم جدوى قانون تحصين الثورة وحتى تخلي رئيس الجمهورية عن مهامه وفي مقابل ذلك يجب الإقرار أيضا إلى تراجع بعض النواب المنسحبين إلى المجلس وخاصة تراجع اغلب الأطراف السياسية المعارضة عن مطلب حلّ المجلس التأسيسي". خلط عدة أوراق صحيح أن الأشكال النضالية التي اعتمدتها المعارضة لم تؤدي إلى تحقيق الهدف المركزي وهو إسقاط الحكومة، كما أوضح الحناشي، غير أنها في المقابل "قد تمكنت من خلط عدة أوراق وضاعفت من خلخلة بنيان الترويكا المهزوز أصلا وأربكت الحكومة". أما بخصوص الإقرار بأن الشارع لم يعد الفيصل في حل الأزمات أكد عبد اللطيف الحناشي أنّ الشارع في تونس، وبعد أكثر من سنتين ونصف من الثورة أصيب بإحباط وبخيبات ويظهر انه اخذ يفقد ثقته في السياسيين ويمكن أن نجد تعبيرا لذلك في تقلص حجم الناس المشاركين في التظاهرات التي أقامتها الأطراف السياسية المختلفة مقارنة بما كان عليه الحال في السنة الأولى من الثورة واخشى ما أخشاه شخصيا هو انكفاء الشارع عن المشاركة السياسية في المستقبل.. لكنه لاحظ مع ذلك ان الشارع "سيظل الفيصل عند عجز النخبة السياسية، حاكمة ومعارضة، عن إيجاد التوافقات في ما بينها والحلول العملية للازمات التي يعيشها المجتمع.. وقال:" تاريخيا وفي زمن حكم بورقيبة لعب الشارع دورا محركا وحاسما في حل الأزمات السياسية والاجتماعية التي عرفتها البلاد عندما تمكنت القوى السياسية والاجتماعية من توجيهه صوب أهداف محددة لكن إذا لم يحصل ذلك، أي التوجيه والتاطير، فسيكون الشارع مثل الخيل الدهماء التي تأتي على الأخضر واليابس واخطر ما يهدد الديمقراطيات الوليدة هو توظيف الشارع لحسم القضايا السياسية الكبرى."