بقلم إبراهيم الدعجي - لقد أخذت تونس منذ اندلاع ثورة 17 ديسمبر /14 جانفي منعرجا جديدا لم يكن يتوقعه لا الشعب التونسي ولا بقية شعوب العالم سواء من حيث سلمية ثورته التي أطاحت بالنظام البائد بأسهل الطرق وأيسر السبل وبأقل التكاليف دون خسائر مادية ولا بشرية فادحة مقارنة ببقية الثورات العربية الأخرى. وفرضت القوى الشعبية المناضلة خياراتها واستمر المد الثوري في اعتصامي القصبة 1 و 2 حارسا لأهداف الثورة ورافضا التعامل مع بقايا الحكم القديم واختار أن يرسم لنفسه خريطة طريق جديدة ونهجا لبناء تونس المعاصرة الحديثة وفق ما يتطلبه واقعها الحقيقي غير المزيف والمغلف بالمغالطات مكرسا لحقه في التعبير عن رأيه بكل حرية ومسؤولية عن طريق الانتخابات وكان له ما أراد وشهدت الفترة الأولى من تونس الجديدة ارتفاع سقف الحريات والمطالبة باسترجاع الحقوق المسلوبة وبتحقيق أهداف الثورة وبناء الدولة التي يحلم التونسيون أن يعيشوا فيها، وعرفت هذه الفترة نكوص جيوب الردة وتواريهم عن الأنظار واختاروا لأنفسهم الاختباء في جحورهم، ثم ما لبثوا أن عادوا من جديد بعد ترتيب صفوفهم بأقنعة مستعارة وأجندات لتحقيق مآربهم ومآرب الصيادين في الماء العكر والمتحركين في العتمة غير عابئين بكونهم يمارسون الإقصاء الممنهج لمن أفرزتهم صناديق الاقتراع لتحقيق مطالب من فوضهم بطريقة قانونية عن طريق انتخابات نزيهة وشفافة شهد لها الجميع بالمصداقية.وتواصل التنسيق بينهم في جنح الظلام حتى تمكنوا من اختراق كل التنظيمات وأعادوا رص صفوفهم من جديد ليظهروا بخطبهم الرنانة المؤثرة بتعلة حماية حرية الرأي والتعبير والحق في تقرير مصير هذا الشعب المنكسر لعقود انقضت لارجعة لها. فكل التونسيين أحرار وأصحاب حق ومواطنون وليسوا رعايا (رحم الله من قالها لأني اعرفه جيدا) ولا مجال لإقصاء أي طرف يحكم لمدة محددة فعلى من في الحكم هو أيضا أن يحكم لكل التونسيين بدون استثناء فتونس لكل التونسيين وكل تونسي هو لتونس وهو رهن إشارة هذه الأم التي أعطت بلا كلل ولا ملل، ودمنا يسقي تربتها ونحلم أن نموت فوق ترابها أعزاء لا أذلاء فاعلين لا مقصيين، نشطاء لا كسالى، معطائين لا بخلاء. فلتونس رجال ونساء يحمونها وسواعد تشيد مستقبلها وأجيال تحافظ على مكتسباتها وتاريخها وحضارتها، لأنها دمهم الذي يسري في عروقهم وعرضهم وشرفهم ومالهم وتاريخهم وحاضرهم ومستقبلهم وأسلافهم وأعقابهم فلا حاجة لنا لوصاية أو تدخل أو إقصاء أو تهميش، فكل التونسيين رشّد وليسوا قصر أو سفهاء حتى يفوض من يقدم نفسه على أنه الوصي للتعبير عن إرادته ويرسم تاريخه بل للشعب وحده الحق في تقرير مصيره اهتداء بنبراس حكمائه وعقلائه حتى تبقى تونس منيعة أبد الدهر خضراء يانعة جنة لأبنائها ولا نظن لحظة أنه سيتركونها تنهار وتنهزم أمام الفوضى والدمار ونلقي بها في المجهول، إنها أمانة وجب علينا المحافظة عليها تحت أشعة شمس مشرقة ساطعة على كل ربوعها لينعم الكل بخيراتها ويحقق فيها أحلامه وجميع التونسيين مدعوين لغرس روح التآخي والاحترام المتبادل دون تمييز أو تهميش أو ازدراء والوقوف في وجه كل من تخول له نفسه الاعتداء على إنسانيتهم وقيمهم وجذورهم وتاريخهم وحاضرهم ومستقبلهم ومكتسباتهم الحضارية وكشف النور للجميع ووضع حد لظلام الليل الحالك أليس الصبح بقريب؟ * مستشار بالمجلس الوطني التأسيسي