◄ عدم إسقاط الدعوى العمومية في جريمة التعذيب بمرور الزمن أخيرا، وبعد طول انتظار صادق المجلس الوطني التأسيسي مساء أمس على القانون الأساسي للهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب برمته بعد المصادقة عليه فصلا فصلا. واتفقوا في آخر لحظة على إضافة فصل جديد له يقضي بعدم إسقاط الدعوى العمومية في جريمة التعذيب بمرور الزمن. كما أنه بعد الضجة التي أثارها خبر عدم مصادقتهم على منع التجمعيين والمناشدين من الترشح لعضوية هذه الهيئة الوطنية، استنجد النواب، في جلستهم العامة المنعقدة أمس بقصر باردو بالنظام الداخلي للمجلس، إذ أنه يتيح لهم معاودة التصويت من جديد على فصل سابق، وهو ما فعلوه، وصادقوا هذه المرة بالإجماع على المقترح الذي أسقطوه سابقا ثم صفقوا على النتيجة بحرارة. وتجدر الإشارة إلى أن الفصل السادس من مشروع القانون الأساسي المتعلق بشروط الترشح لهذه الهيئة أصبح بعد تعديله ينص على: يشترط في المترشح لعضوية الهيئة: 1 أن يكون تونسي الجنسية 2 أن يكون بالغا من العمر 25 عاما على الأقل. 3 أن يكون نزيها ومستقلا ومحايدا 4 أن لا يكون قد صدر في حقه حكم بات بالتفليس أو تم عزله أو إعفاؤه من مهامه لسبب مخل بالشرف. 5 أن لا يكون عضوا في المجلس المكلف بالتشريع في الفترة التي قدم فيها الترشح. 6 عدم تحمل أي مسؤولية صلب حزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل أو مناشدة رئيس الجمهورية المخلوع للترشح لمدة رئاسية جديدة وعدم تحمل مسؤولية في الحكومة أو تقلد منصب والي أو كاتب عام ولاية أو معتمد طيلة حكم الرئيس المخلوع. وعند إثارة موضوع منع التجمعيين من الترشح، ندد النائب رمضان الدغماني بشدة بالانتهاكات التي ارتكبها النظام السابق في حق التونسيين، وقال إنه لا يفهم بأي منطق يتم اليوم فتح باب الحوار مع من عذبوا الشعب طيلة سنوات وعقود بتعلة الرغبة في إنقاذ البلاد، وأتى على ذكر اسم محمد الغرياني الأمين العام للتجمع الدستوري الديمقراطي المنحل الذي عاد من جديد إلى الساحة السياسية. أما النائبة سامية عبو التي استنكرت سابقا بشدة إسقاط مقترح منع التجمعيين من الترشح للهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب، فدعت إلى ضرورة منع أطباء السجون الذين أشرفوا على التعذيب من الترشح لهذه الهيئة وقالت إنهم كانوا يراقبون عمليات التعذيب ويأذنون للسّجانين كلما بلغت درجة التعذيب حدا كبيرا ينذر بموت الضحية، بإيقاف هذه العملية، وهكذا دواليك.. كما طالبت عبو بإقصاء القضاة الذين صمتوا على التعذيب، وبينت أنها تذكر بحرقة مشهد شاب جلب معه ملابسه الملطخة بالدماء إلى المحكمة وقال إنه تعرض للتعذيب لكن القاضي أجابه أن المحكمة لا ترى، ثم أجهشت النائبة بالبكاء، ولم تواصل مداخلتها لشدة التأثر.. زيارة السجون فصل آخر من فصول مشروع القانون أثار جدلا كبيرا بين النواب يتعلق بإمكانية رفض السلط المعنية الاستجابة لطلب الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب بزيارة السجون في عدد من الحالات.. وكانت بعض الجمعيات الحقوقية اعترضت على مضمون هذا الفصل بشدة، الأمر الذي دعا سمير ديلو وزير حقوق الانسان والعدالة الانتقالية إلى تقديم مقترح جديد، لكنه لاقى بدوره اعتراضا من قبل نواب من غير كتلة حركة النهضة وطالب بعضهم بحذف كامل الفصل حتى لا يكون هناك أي مبرر يمنع الهيئة من زيارة السجون، وأمام صعوبة التوافق رفعت محرزية العبيدي النائبة الأولى لرئيس المجلس الجلسة العامة لتمكين كل الكتل من مناقشة مقترح الوزير، وهو ما حدث وتمت المصادقة عليه في الحصة المسائية.. وللإشارة كان هذا الفصل الثالث عشر من مشروع القانون ينص على :"لا يمكن للسلط المعنية رفض الاستجابة لطلب يندرج ضمن مهام الهيئة إلا بقرار كتابي يبلغ فورا إلى رئيس الهيئة وبشرط أن يكون معللا ومؤقتا ومرتبطا بضرورات الدفاع أو الامن الوطنيين أو الخطر الداهم أو حالة صحية حرجة. يكون عرضة للتبعات التأديبية كل من يخالف مقتضيات الفقرة الاولى من هذا الفصل". واقترح ديلوا تغييره بما يلي:" لا يمكن للسلط المعنية الاعتراض على زيارة دورية أو فجئية لمكان بعينه إلا لأسباب ملحة وموجبة لها علاقة بالدفاع الوطني أو السلامة العامة والكوارث الطبيعية او اضطراب خطير في المكان المزمع زيارته بما يحول مؤقتا دون الزيارة ويكون ذلك بقرار كتابي معلل يبلغ فورا إلى رئيس الهيئة وينص فيه وجوبا على مدة المنع المؤقت. يكون عرضة للتتبعات التأديبية كل من يخالف مقتضيات الفقرة السابقة من هذا الفصل". انسياب وباستثناء هذا الفصل الإشكالي لم ترافق مناقشة بقية التعديلات المقترحة على مشروع القانون صعوبات تذكر، بل كانت المصادقة على جل الفصول تتم تقريبا بالإجماع وبمنتهى التوافق بين النواب المرابطين في المجلس وجلهم من حركة النهضة، فلا اعتراضات، ولا مقاطعات، ولا مشاحنات، ولا رفع للجلسات كما كان يحدث في السابق أي قبل انسحاب نواب المعارضة إثر اغتيال النائب الشهيد محمد البراهمي. ويشار إلى أنه على الرغم من دعوات المجتمع المدني لعدم التسرع في المصادقة على قانون الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب في ظل تواصل انسحاب نواب المعارضة، فقد انسابت المصادقات على مقترحات التعديل الواردة عن كتلة حركة النهضة انسيابا مذهلا، وكانت صبورة نتيجة التصويت تظهر للعيان كل مرة بلون واحد مع استثناءات قليلة. إذ صادق النواب بيسر على كيفية اختيار المترشحين للهيئة من قبل المجلس التشريعي وذلك بعد أن اتفقوا على أن لا تكون الهيئات المهنية هي التي تتولى ترشيحهم، كما وافقوا على مبدأ التناصف فيها، وعلى منع الجمع بين عضوية الهيئة وأية مسؤولية حزبية أو العضوية بالمجلس التشريعي نفسه أو مباشرة وظيفة بأي هيكل أو مؤسسة عمومية. واتفقوا على أن تتم تسمية رئيس الهيئة وأعضائها لمدة ست سنوات غير قابلة للتجديد بدلا عن أربع سنوات على أن يتم تجديد تركيبة الهيئة بالنصف كل ثلاث سنوات. وصادقوا على فصول أخرى تندرج في إطار ضمانات حسن سير عمل الهيئة منها اعتبار أعضائها سلطة إدارية وتمتيعهم بالحصانة وتجريم المعتدين عليهم، وعلى الفصول المتعلقة بتسيير الهيئة.