مقاربات لسيغولين روايال وبن عيسى وأردوغان الدوحة الصباح: مثّل منتدى الدوحة الثامن للديمقراطية والتنمية والتجارة الحرة، الذي احتضنته قطر بداية الأسبوع الجاري، "حضنا" واسعا للأفكار والمقاربات والتصورات بخصوص الديمقراطية والتنمية والتحولات السياسية والاجتماعية ومستقبل الأمن الدولي، بالإضافة إلى قضايا تخص الأسواق المشتركة والحوار الدولي والسلام العالمي، إلى جانب مشكلات الإصلاح ومشاريع الديمقراطية ومستقبل دور الإعلام الحرّ في عالم متحول ومجتمعات متغيرة.. ولم يكن السفير القطري، ناصر عبد العزيز النصر، مندوب قطر الدائم لدى الأممالمتحدة مبالغا، عندما قال في تصريح صحفي على هامش إحدى الجلسات، أن المنتدى يعدّ "دافوس مصغّر"، فقد عكست فعاليات المنتدى هذا المعنى بشكل عملي، من خلال التنوع إلى حدّ التناقض بين المقاربات، بحيث دافع كل طرف عن رؤيته بصورة هادئة وضمن معايير النقاش الحضاري، بعيدا عن أي تشنج أو صخب، لكن ذلك لم يمنع بروز بعض التدخلات الحماسية من دون أن تخرج عن سياقها الحواري الجادّ.. موضوع الديمقراطية.. شرارة هذه المقاربات، انطلقت بكلمة أمير دولة قطر، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، الذي شدد على أن "الديمقراطية سبيلنا جميعا إلى فكرة التقدم، ولا نستطيع بغيرها أن نجد لأنفسنا موضعا في زماننا"، لكن أمير قطر ذهب أبعد من ذلك، عندما أكد أننا "إزاء مواجهة مثلثة الزوايا، ديمقراطية لها وسائلها من القوة، وتنمية شاملة تقف وراءها وهي تختص بترتيب شؤونها لكي تكون سندها، وتجارة حرّة، تشدّ أزرها"، مشيرا إلى أن مجمل هذه القضايا هي "قضايا مصير"، أي أنها ليست مادة للسجال، وبالتالي فالنقاش بشأنها، ينبغي أن يكون بمنطق واقعي وعملي.. من ناحيته، قال رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، في كلمته التي حظيت باهتمام واسع من الحضور، إن "الديمقراطية عملية حركية وليست ساكنة"، وأن لكل بلد ظروفه الداخلية و"رجاته الخاصة به"، على حدّ تعبيره، التي تمهد له سبيل إرسائها.. ولم يخف أردوغان، بأن الديمقراطية التي بدأت في تركيا منذ العام 1946، حصلت عبر آلام، لكنها كانت تزيد قناعاتنا كل يوم بضرورة الانتصار لها وتكريسها، موضحا أن الحراك الاجتماعي في أي مجتمع، هو المؤثر الأول في مسألة نشر وترسيخ الديمقراطية.. في نفس السياق، طرحت سيغولين روايال، رئيسة الحزب الاشتراكي الفرنسي، فكرة "الديمقراطية التشاركية الشاملة"، بغاية التغلب على مشكلات الفقر والهوة الضخمة بين الدول الغنية والفقيرة.. وأوضحت المرشحة السابقة للرئاسة الفرنسية، أن الحديث عن الديمقراطية، يعني الحديث عن التعليم وتوفير المساعدات للتنمية وتكنولوجيا الاتصالات، وتطوير الثقافة.. لكنها أكدت بالموازاة مع ذلك، أهمية إشراك الشعب في الحركة الديمقراطية والتنمية، وقالت في هذا الإطار: "لا يمكننا أن نتحدث عن الديمقراطية والشفافية، في ظل تهميش الشعوب وتجاهل مصالحها".. رؤى مختلفة.. وجريئة.. على أن محمد بن عيسى، وزير الخارجية المغربي السابق، اعتبر أن "الديمقراطية المفروضة من الخارج، والأنماط التنموية غير المعروفة، التي لا تحترم خصوصية الشعوب، سيكون مصيرها الفشل"، على حدّ قوله.. ولفت بن عيسى في مداخلته الجريئة، إلى أن التنمية كمعنى شامل ومتكامل، يتضمن المكونات الأخرى للديمقراطية المتمثلة في العدل وحقوق الإنسان والمعرفة والتربية.. وبدا الوزير المغربي السابق، المعروف باطلاعه الواسع على تجارب الدول، متشائما، بل متخوفا وقلقا على مستقبل دول الجنوب.. فقد وصف واقع هذه الدول بأنه "حاضر تتفاعل فيه معوّقات الديمقراطية والتنمية والتواصل التجاري، ويغلب عليه الفقر والجهل وضعف البنية التحتية وانعدام الاستقرار بسبب الحروب والإرهاب".. واللافت للنظر، أن مداخلة بن عيسى استفزت بشكل واسع عديد المشاركين، خصوصا من الدول الغربية والأوروبية، الذين رأوا فيها تحميلا للمسؤولية لدول الشمال.. مقاربة مثيرة.. لكن مالكوم ريفكند، وزير الخارجية السابق، وعضو مجلس العموم البريطاني، مضى في نفس سياق الوزير المغربي، وإن بمضمون مختلف نسبيا.. فقد لاحظ ريفكند، أن الانتخابات ليست العنوان الأبرز للديمقراطية، ومن ثمة فالدول التي تنظم انتخابات دورية للتدليل على كونها دشنت عهدا ديمقراطيا، لا يمكن الاطمئنان إليها بشكل كلي.. وأشار البرلماني البريطاني ضمنيا، إلى أن التحولات السياسية الحقيقية هي تلك التي تأتي من المجتمع، من الشعوب، وليست حركة فوقية، حتى وإن كانت عبر العمليات الانتخابية ذاتها، حسب اعتقاده.. وركّز وزير الخارجية البريطاني السابق، في مداخلته على مفهوم "ديمقراطية الشعوب"، وهو يعني تحديدا، فعالية الشعوب في إحداث التغيير، بعيدا عن القوالب الجاهزة لمفاهيم الديمقراطية وآليات التغيير التي درجت بعض الدراسات على ترويجها منذ فترة.. ومع أهمية الشعوب، كرقم في المعادلة الديمقراطية، ركز ريفكند على مفهوم "الديمقراطية الوفاقية"، التي من شأنها ضمان الاستقرار السياسي وقدر عال من الوفاق الاجتماعي.. لقد أثار الوزير البريطاني السابق، اهتمام الحضور، سيما منهم المفكرون والسياسيون والمتخصصون في علم الاجتماع السياسي، بالنظر إلى مقاربته التي اتسمت بفكر سياسي واقعي، قد تكون الدراسات السوسيو سياسية (SOCIO-POLITIQUE) تناسته منذ أكثر من عقدين، وبخاصة منذ نهاية الحرب الباردة وانهيار الفكر الاشتراكي، وهيمنة القطبية الواحدة ذات المنحى الليبرالي.. على أن المسألة الديمقراطية، ليست وحدها المسألة الخلافية في منتدى الدوحة الثامن، فقد عرف المنتدى مقاربات مختلفة حول قضايا التنمية والتعاون الدولي ومسألة الشرق الأوسط، وخاصة القضية الفلسطينية..