شكل منتدى الدوحة للتنمية والديمقراطية والتجارة الحرة الذي التأم خلال الفترة من 3 إلى 6 ماي الجاري، إطارا للكشف عن جملة من الافكار والمشروعات السياسية الجديدة في علاقة بالمسألة الديمقراطية واستحقاقات التنمية والاقتصاد الحر.. وشهد المنتدى التاسع من نوعه الذي انعقد بالتوازي مع المؤتمر الخامس لاثراء المستقبل الاقتصادي في الشرق الاوسط، والذي افتتحه أمير دولة قطر، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، مناقشات ثرية وجدلا كبيرا، بحضور عدد واسع من رؤساء الدول ورؤساء الوزراء والوزراء الحاليين والذين اضطلعوا بهام سابقة في الحكم، من بينهم الرئيس الفرنسي، جاك شيراك، ورئيس وزراء فنلندا، ماتي فانهانين، ورئيس وزراء فرنسا السابق، آلان جوبي، ووزير خارجية بريطانيا الاسبق، دوغلاس هيرد، ورئيس منتدى دافوس، كلاوس شواب، بالاضافة إلى نائب وزير الدفاع الامريكي السابق، غوردن إنجلاند، ومرشح الهند السابق لمنصب الامين العام للامم المتحدة، شاشي ثارور، إلى جانب مفكرين استراتيجيين وجامعيين وخبراء في عالم المال والاقتصاد والنفط والغاز والتنمية وسياسيين وإعلاميين.. وعلى خلاف العام السابق، الذي تجاوز فيه عدد الحضور السبعمائة شخصية من مختلف أنحاء العالم، لم يتعد المشاركون هذا العام الخمسمائة شخص من نحو 70 دولة، كان أبرز المتغيبين، مفكرون من الحزب الديمقراطي الاميركي، وممثلون عن دولة المكسيك، بسبب الازمة الحالية المتعلقة بأنفلونزا الخنازير، حيث كان من المقرر حضور عدد كبير من هذا البلد، في مقدمتهم، رئيس البرلمان وعدد من نوابه، ووزيرة الخارجية ونائبها، لكن قرار رئيس جمهورية المكسيك بعدم المشاركة أو المغادرة لرعايا جمهورية المكسيك، حال دون وجود ممثلين عن المكسيك في مؤتمر إثراء الشرق الاوسط.. شركاء في الانقاذ وليس في الخسائر وفاجأ أمير دولة قطر الحضور بمداخلته، التي لم تكن مجرد توجيهات للمؤتمرين بقدر ما عبرت عن موقف واضح لدولة قطر مما يجري في أعقاب الازمة العالمية الراهنة، حيث لخص الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الوضع بأبلغ وأدق عبارات التوصيف، بصورة شخصت المشكلة وسعت إلى تحديد سبل الانقاذ للخروج من الازمة.. فاعتبر أن "الازمة ليست وليدة إعصار أو زلزال، بل هي من صنع البشر، ومتى كانت الازمة من صنع الانسان، فإن ذلك يعني حتما وجود مخطئ ومتسبب ومسؤول"، على حدّ تعبيره.. وأوضح أن هذا الخطأ "ناجم عن سوء تخطيط، ورغبة بالاثراء السريع، والخلط بين القروض الضرورية للانتاج والاستهلاك، والاستدانة لغرض المضاربات التي تفوق مجمل الانتاج"، فأساس الازمة حينئذ، يكمن في انتشار ثقافة الاستهلاك والاثراء السريع.. وقال أمير دولة قطر في ذات السياق، لا يجوز رمي المسؤولية على الاخرين وتحميلهم جزءا من الخسائر، ذلك أن الطريق لمعالجة الازمة يبدأ باعتراف المخطئين بخطئهم والعمل على تصحيحه وليس بتحميله للاخرين. وهذا يعني أن المسؤولين عن الاعصار المالي، هي السياسات المالية للدول الغربية وليست دول المنطقة. وأكد أن "الجميع في قارب واحد، وبالتالي فإن الخروج من الازمة، ليس مستحيلا لكنه يحتاج إلى جهد دولي شامل. ولذلك دعا إلى"فكر ودرس وإدراك عميق للازمة، لاننا جميعا في قارب واحد ولا مفر من أن ننجو معا"، حسب قوله.. وحذر الامير القطري من الاثمان والعواقب والخسائر التي سيخلفها الاعصار، ليس فقط على ثروات الامم، "وإنما على القيم والمبادئ والثقافة السائدة على المدى الطويل"، وهي الاضارة التي كانت محور مناقشات وجدل طويلين في المنتدى وضمن فعاليات مؤتمر إثراء الشرق الاوسط.. تخوف على مستقبل الديمقراطية من جهته، ربط الرئيس الفرنسي السابق، جاك شيراك في كلمته الافتتاحية للمنتدى، مستقبل الديمقراطية بمقاومة التطرف، مشيرا إلى أن التطرف ليس حكراً على الاسلام ولا نتاج ثقافات، معتبراً أن الديمقراطية تحقق التوازن داخل المجتمعات، وتبنى في إطار الحياة الداخلية للشعوب.. ودعا الرئيس الفرنسي السابق الديمقراطيات، إلى توخي الحذر وتضافر الجهود من أجل تقديم حلول للفقراء، في مقدمتها التعليم الجيد المتاح للجميع والمرتكز على التكنولوجيا والقائم على احترام الثقافات الاخرى.. وأوضح أن من بين الحلول لمواجهة التطرف "ضرورة بناء حضارة جديدة تتمثل في تشييد مدينة تحترم البيئة وتسمح بالنفاذ إلى المياه ووسائل الترفيه".. مشددا على أنه "لا جدوى من الحديث عن الديمقراطية دون احترام اللغات والثقافات المختلفة وتشجيع الحياة الاقتصادية إضافة إلى عدم الجهل بالثقافات الاخرى والتعايش بمساواة".. ونفى شيراك منطق "صدام الحضارات"، قائلا: "لا مجال للحديث إلا عن حضارة واحدة تتفاعل داخلها فعاليات ثقافية عديدة ومتنوعة ومختلفة".. وفي مداخلة استباقية لفعاليات المنتدى ومؤتمر إثراء الشرق الاوسط، شدد ماتي فانهانين، رئيس وزراء فنلندا، على "أن الديمقراطية تهيئ الظروف المواتية للتنمية، لكنه لم يخف أهمية الربط بين الملف السياسي والجانب الاقتصادي التنموي، داعيا إلى ضرورة مناقشة الملفين بالقدر نفسه، من دون أسبقية جانب على آخر، حسب اعتقاده، وهو ما كان له صداه في أشغال المؤتمر الذي اتجه المتدخلون فيه إلى عدم التمفصل بين الجانبين.. والحقيقة أن هذه المداخلات بمثابة الوقود الذي جعل جلسات المؤتمر تتضمن جدلا كبيرا بين حول الديمقراطية والتجارة الحرة والتنمية وحقوق الانسان وحرية الاعلام والقانون والحوكمة العالمية، وتعزيز الزخم العالمي للديمقراطية، الذي بدأ منذ عام 2000 بنشر وتعزيز الديمقراطية في العالم العربي خاصة، وفي مناطق أخرى من الشرق الاوسط والعالم، على أساس أنها إحدى القواعد الاساسية للمنتدى، الذي كان يعرف في الاصل بمنتدى الدوحة للديمقراطية، إلى جانب ما يتعلق بموضوع الاعلام العابر للقارات، الذي كان الاكثر جدلا بين العرب والفضاءات الغربية والاوروبية الاخرى التي حضرت المنتدى..