يبدو أن هيبة الدولة التي لطالما تحدث عنها السياسيون قد بقيت مجرد شعار أو مصطلحا أجوف مقارنة بما يحدث وما يقال عن عديد الرموز السياسية خاصة في الحكومة الحالية، في وسائل الاعلام وخاصة في "البلاتوهات" التلفزية أو التقارير الاخبارية والتغطيات وغيرها. ومما لا يختلف فيه عاقلان هو أن هيبة الدولة قد أفرغت من محتواها ومن رمزيتها بعد حادثة العوينة و«ديقاج» الشهيرة في وجه الرئاسات الثلاث، فمهما كانت الأسباب أو خصوصية الظرف فإن ما أتاه عدد من الأمنيين بعد «تطاولا» على رموز الدولة (كانوا من كانوا) وسوء استغلال للتهيكل النقابي الذي أصبح الأمنيون ينعمون به بعد الثورة.. وقد تكون المبررات الظاهرة، عدم المصادقة على مشاريع قوانين لحماية الأمنيين وغيرها من المطالب لكن علينا أن نعترف بأن هذه المشاريع أعدتها الحكومة التي قيل لها "ديقاج" وليس النقابات مع احترامنا الشديد، لكن على الأمنيين المعروفين بالسلك المنضبط للعلم والوطن ولرموز الدولة الا سيقطوا في الفخاخ التي تنم عن تجاذبات سياسية وأجندات هم في غنى عنها لأن الأمن مطالب بالعمل مع أي حكومة مهما كان لونها وانتماؤها.. فالأمن الجمهوري لا يمكن أن يكون إلا جمهوريا محايدا. واذ كنا لا ندافع عن أي طرف فإننا نريد أن ننتصر للحياد وأن تترسخ لدينا القناعة بأن الوزير أو المسؤول أو الرمز السياسي لا يحترم لشخصه بقدر ما يحترم للمنصب الذي يشغله فلا يمكن استعادة هيبة الأمن ولا أيضا هيبة القضاء في ظل غياب هيبة الدولة.. ولا يمكن للمواطن أن يسترجع الثقة في مؤسّسات الدولة وفي رموزها (مهما كانت انتماءاتهم وألوانهم) وفي القضاء وفي ما يجري من اصلاحات في عديد المؤسسات متى كانت هيبة الدولة غائبة أو مستباحة.. وبصرف النظر عن أداء الحكومة، أو ما تحقق وما لم يتحقق فإن رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس المجلس التأسيسي والوزراء يمكن أن نختلف معهم لكن مناصبهم تفرض نوعا من الهيبة والوقار والاحترام.. ولا يعني الاختلاف ان نكيل لهؤلاء أشنع النعوت (مثلما يحدث في عديد البلاتوهات التلفزية والبرامج الاذاعية). وليكن نقدنا بناء ويقوم على أدلة ساطعة وإلا فلا مجال للنزول بمستوى النقاشات والمواقف إلى السفاسف فلا يمكن أن تنتظر خيرا في بلد لا تحترم فيه هيبة الدولة ورموزها. المواطنة والحرية وهيبة الدولة.. قيم متلازمة لا يمكن التغافل عن احداها حتى لو اقتضى الأمر فرضها بالقانون حتى نحمي أنفسنا من الفوضى لأنه عندما "يعتدي" الأمني على هيبة الدولة ماذا تنتظر إذن من المواطن؟ كذلك الأمر بالنسبة إلى عدد من الوزراء والرموز الذين أصبحوا مواقع قارة في "بلاتوهات" التلفزة، ماذا ننتظر منهم لترسيخ قيمة هيبة الدولة وهم الذين يتحدثون بلغة استفزازية وبأسلوب سمج أفرغوا به منصب الوزير من محتواه.. فلنعد جميعا إلى الرشد..